وقد استشكل في تفسير المنار في معنى الشفاعة وإمكان تحققها خارجا وقال في القرآن آيات ناطقة بنفي الشفاعة مطلقا كقوله تعالى في وصف يوم القيامة (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) واخرى بنفي منفعة الشفاعة كقوله تعالى (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) الى ان قال وليس في القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة ولكن ورد الحديث به انتهى ملخصا. قال الشيخ عبده فما ورد في إثبات الشفاعة على هذا يكون من المتشابهات فمذهب السلف التعبد بمفادها وعدم الفحص عن حقيقتها ومذهب الخلف انها دعاء يستجيبها الله تعالى انتهى ملخصا ونقل هذا عن ابن تيمية وغيره ولم يعدوه تأويلا.
أقول : لا يخفى عند أولي الألباب ان تفرده وتوحده سبحانه في جميع شئون ألوهيته وربوبيته يقضي ويحكم ان أمر الخلق وجميع ما يرجع اليه من شأن التكوين والتشريع ملك طلق له تبارك وتعالى أزلا وابدا في الدنيا والآخرة ويكون ظهور تلك المالكية في الآخرة أظهر وأجلي لإبطال الاختيارات ورجوع الأمانات من القدرة والثروة والسلطة والنعمة إلى مالكها وواهبها الملك الحق القيوم فعنت اليوم له الوجوه وخشعت له الأصوات مطيعين (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ). إذا تقرر ذلك فالآيات المتعرضة بأمر الشفاعة منها ما تدلى على أن اليوم انقطعت عنهم الأسباب وتقطعت عنهم الحيل والتناصر بينهم لا بيع ولا خلة ولا شفاعة ولا نصرة ولا فداء قال تعالى (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة ٤٨) وفي سياقها آيات اخرى ومنها ما تدل على مالكيته تعالى لأمر الشفاعة وتوحده سبحانه فيها قال تعالى (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الزمر ٤٤) ومنها ما تدل على إبطال الشركاء والأضداد والأنداد والأصنام والاعتماد والاتكاء على شفاعتهم مع التعرض والتحديد بمن قال بالشفعاء من دون الله وبالشركاء مع الله قال تعالى (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (إنعام ٩٤ م).
لا يخفى ان هذه الطوائف الثلاثة من الآيات وما يجري مجراها خارجة عن حريم البحث وغير ناهضة لنفي الشفاعة بمعنى نفي اذنه تعالى أو استحالة إذنه تعالى لأحد من عباده المقربين ان يشفع في من اذن له بالشفاعة.
ضرورة ان نفي التناصر والتعاضد والخلة والفداء وانقطاع الأسباب والحيل حق الكفار يوم القيامة وظهور سطواته على أعدائه وذلتهم وهوانهم في ذلك