تعالى في شيء فلا محالة يكون اختياره تعالى ورضاه عين اختيارهم ورضائهم فيكون المراد من الآية اختياره ورضائه تعالى تشريعا اي إقباله إلى الآخرة والتزود لها وإدباره إلى الدنيا والاعراض عنها لا المفاضلة بينهما كي تكون الآخرة أفضل من الدنيا.
قوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) : عطف على سابقتها ومسوقة في سياقها الا انها أصرح وأوفى منها وبيان لما أجمل فيها فإنها إبراز عطف وحنان فكان هذا العطاء الخطير جبران لما فات منه من نعيم الدنيا وزينتها وثواب عن زهده في هذه الدنيا وللأم في قوله تعالى ولسوف للتأكيد والسين لتخليص صيغة المضارع للاستقبال وفيه إشعار إن موطن هذا العطاء انما هو في الدار الآخرة المستقبلة وقد أطلق تعالى هذا العطاء من حيث الأنواع والأقسام وكذلك من حيث الحدود والمقدار ولم يقيده بشيء إلا رضي رسول الله (ص) وحيث انه سبحانه صادق الوعد فلا محالة يقوم بإنجاز وعده فلا يخلف الميعاد البتة فعلى هذا تكون هذه الآية مطلقة من حيث المشية أيضا لأن الله سبحانه قد شاء وقضى ان يعطي هذا العطاء مطلقا ولم يقيده الا برضى رسوله فما من آية في كتاب الله تدل على سعة رحمته تعالى وعموم مغفرته للمذنبين الا ويدخل فيه المشية مثلا قوله تعالى (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (الزمر / ٥٣) أي ان شاء يغفر فلا يزال المؤمن واقفا بين الخوف والرجاء فلا يجوز له ان يقول اني مغفور استنادا الى هذه الآية بخلاف الآية المبحوثة عنها فان العطاء الموعود لرسول الله منجز معلوم في حقه (ص) لان الله سبحانه قد شاء أن يعطيه (ص) على الإطلاق وقضى بذلك من دون قيد لإرضائه (ص).
في نور الثقلين عن حرث ابن شريح عن محمد بن الحنفية انه قال يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عزوجل (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) إلخ وانا أهل البيت نقول ان أرجى آية في كتاب الله (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) وهي الشفاعة وانه يعطيها في أهل لا إله إلا الله حتى يقول رب رضيت.
في المجمع ج ١٠ ص ٥٠٥ عن الصادق عليهالسلام رضي جدي ان لا يبقى في النار موحد أقول هذا البيان عن الصادق عليهالسلام لا ينافي ما ذكرنا من الإطلاق في العطاء من حيث أنواعه واقسامه للإمكان أن يقال ان ذلك من باب بيان المصداق لا من باب بيان تمام المراد في الآية الكريمة.
فإن قلت كيف يمكن أن يقال ان العطاء في الآية الكريمة مطلقة من حيث المشية