مرتبة متأخرة عن استحقاق العاصي مرجحة لطرف العفو من غير إلزام فتعين ان الشفاعة مما يؤكد الحكم التشريعي ويؤيده لا يضاده ولا ينافيه كما توهمه المستشكل فالعصيان في طول الحكم التشريعي والاستحقاق في طول العصيان والعفو والأخذ في طول الاستحقاق والشفاعة مرجحة لطرف العفو الذي كان مملوكا له تعالى قبل الشفاعة.
فإن قلت فما فائدة الشفاعة إذا كان العفو مملوكا له تعالى من دون تأثير الشفاعة في إيجاب العفو. قلت ـ قد عرفت ان المرجحات بأسرها منها الشفاعة في المقام لا يوجب تحديد المالكية والقدرة الا ان الفاعل العاقل المالك المختار يختار الفعل لغايات فاضلة حكيمة فيمجد ويحمد بها ويتنزه عن الأفعال الردية القبيحة فيقدس به فالعفو عند الشفاعة إكراما لأوليائه بقبول شفاعتهم يزيد على حسن العفو حسنا ومزيدا وكرامة.
أما الجواب النقضي فنقول ـ ان حكمه تعالى وقضائه الحكيم بالعفو بعد حكمه بالعقاب غير عزيز في سنته تعالى مثل العفو الابتدائي قال تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) الآية (الزمر ٥٣) ومثل محو السيئات بالحسنات قال تعالى (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) (نور ١١٤) ومثل غفران الصغائر باجتناب الكبائر قال تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) الآية (النساء ـ ٣١) ومثل محو الذنوب بالتوبة.
الثاني : يمكن ان يقال الشفاعة تحميل ارادة الشفيع على الحكم الذي يريد ان يأخذ المجرم ويعاقبه فلا محالة يعدل بشفاعة الشفيع عن إرادة العقاب.
قلت ـ كلا فان المتحصل من الآيات التي تلوناها عليك ان الشفاعة المقبولة بتشريعه تعالى وباذنه ومشيئته ورضائه فلا يشفع أحد من المقربين إلا بإذنه ضرورة انه لا يملكها أحد إلا بعد تمليكه سبحانه قال تعالى (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (زمر ٤٤) فعليه يكون تعالى هو الشافع وأشفع الشافعين فاتضح في المقام انه لا محصل لما يقال أن الشفاعة تحميل ارادة الشفعاء على الله سبحانه وقد أجاد المحقق الطوسي (قده) حيث قال ونفي الشفيع المطاع لا تستلزم نفي المجاز انتهى ـ أقول أراد (قده) أن تحميل الإرادة إنما يتصور من الشفيع المطاع على من هو دونه وتحت نفوذه وسلطانه لا من الشفيع المجاز المجاب فالمذنبون يستشفعون بأمره والشافعون يشفعون باذنه ورضاه جل ثناؤه.