فإن قيل فما فائدة الشفاعة إذا كان له العفو من غير شفاعة وقبل الشفاعة وهو سبحانه أشد رأفة ورحمة من رحمة الشفاعة. قلت له سبحانه أن يجعل طريقا الى عفوه ومغفرته كما في غير الشفاعة من أسباب المغفرة مثل الدعاء والاستغفار والتوبة فيقال إن اجابة دعاء المسيئين تقريب لهم الى بابه وكذلك قبول توبة النادمين إنقاذ لهم من العصيان في ساحة الرب وإرغام لأنف الشيطان وقبول الشفاعة من أوليائه إكرام لهم وإعلان لكرامتهم عند الله سبحانه وفي قبولها تثبيت لرجاء المذنبين وعدم انقطاعهم عن ربهم ودفع ما يرد عليهم من رذيلة القنوط على ان الجواب الذي ذكرناه عن الاشكال جار في المقام إن شاء الله.
الثالث : ـ قد يقال أن القول بالشفاعة يوجب إغراء الناس على العصيان والتساهل والتسامح في امتثال الواجبات والاجتناب عن المحرمات لاعتمادهم واتكالهم على الشفاعة وهو مناف لمصالح التشريع والغرض الأصيل في بعث الرسل وإنزال الكتب لتزكية الناس وسوقهم الى الكمالات والمعارف الربوبية وسوقهم الى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب أقول فيه أولا انه منقوض بالآيات الدالة على سعة رحمته تعالى ومغفرته ومواعيده الحسنة الجميلة لعباده في كتابه الكريم قال تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) النساء ـ ٤٨ قال في المجمع ج ٣ ص ٥٧ وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليهالسلام انه قال ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية. أقول روي في البرهان ج ص ٣٧٥ عن الفقيه مسندا عن علي (ع) قال ما في القرآن آية أحب الى من قوله عزوجل (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ـ أقول هذه الرواية الشريفة وان كان مما اختلف فيها الانظار من حيث انها تدل على ان هذه الآية أرجى آية في كتاب الله في المذنبين أو ان أرجى الآيات هي قوله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآية زمر ٥٣ أو ان أرجى الآيات قوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (الضحى) الا ان هذا الاختلاف لا يضر فيما نحن بصدده من نقض قول من يقول ان الشفاعة توجب إغراء الناس على المعاصي قال في المجمع ج ٣ ص ٥٧ لا معنى لقول من يقول من المعتزلة ان حمل الآية على ظاهرها وإدخال ما دون الشرك في المشيئة يوجب إغراء الناس لأن الإغراء انما يحصل بالقطع على الغفران واما إذا كان الغفران متعلقا بالمشيئة فلا إغراء بل يكون عبد واقفا بين الخوف والرجاء على الصفة التي وصف الله تعالى بها عباده المرتضين في قوله تعالى (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) يحذرون الآخرة ويرجون رحمة ربهم ، وبهذا وردت الاخبار الكثيرة عن طرق الخاص والعام وانعقد عليه إجماع سلف أهل الإسلام انتهى.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن الآيات الكريمة الدالة على مطلق الشفاعة لا تسجل