الشفاعة والمغفرة لأحد بعينه وبشخصه ولا لأقوام بصفاتهم وأعيانهم ولا في موقف خاص دون آخر بل أبهم وأجمل فيها وواضح ان ذلك ليس بمتعين بحسب الواقع وانما أبهم وأجمل لأنه متعلق ومتوقف على مشيئته تعالى واذنه ورضاه لمن يشاء من المقربين في الشفاعة ولمن يشاء من المجرمين في ان يشفع له وكذلك بحسب الموارد والمواقف وليس ذلك الا مثل غيره من مواعيده تعالى بالمغفرة والرحمة على نحو الإطلاق بالأسباب التي توصل بها سبحانه وجعلها طريقا الى عفوه وغفرانه أو من غير سبب ابتداء مستندا الى فضله ورحمته.
فتحصل ان المؤمن الموحد العارف بربه المعتقد للشفاعة ولغيرها من مواعيده تعالى ومعلقا على مشيئته تعالى واذنه لا يزال واقفا بين الخوف والرجاء وبين الرغبة والرهبة وبين الخوف والطمع يناجي ربه ويدعوه ويسأله أن يرزقه رحمته وكرامته ويسأله أن يرزقه شفاعة نبيه وصفية فان الشفاعة وغير الشفاعة من مواعيده تعالى لأهل التوحيد في صغائر المعاصي وكبائرها معلقا على المشيئة لا يوجب إغراء على الذنوب ولا اغترار أو غفلة عن الله سبحانه بل فيه إيقاظ للغافلين واشتعال نور الرجاء في قلوب المذنبين يتخلصوا وينجوا من ظلمات اليأس وسوقهم الى مراتب الصلاح والسداد وله الحمد كما هو أهله.
الرابع ـ العبادة من الألفاظ الدائرة في الكتاب والسنة وهي بتصريح أهل اللغة عبارة عن التذلل والخضوع ، قال في مرآة الأنوار ص ٢٣٢ اعلم ان العبادة لغة الطاعة والانقياد والخضوع والتذلل انتهى.
أقول لا ريب الأخذ بها بما لها من المفهوم اللغوي من دون أعمال حقيقة شرعية أو متشرعية في هذا المفهوم اللغوي وهي حقيقة اضافية كانت مرسومة عند العرب المنتصرة واليهود والوثنيين وتوضيح ذلك ان الأفعال الاختيارية العمدية قسم منها عبادة أي خضوع وتذلل بذاته مثل السجدة والتعفير إذا أتى بهما عن اختيار يفيد التعظيم للغير وخضوع الفاعل وتذلله في مقابل الغير من دون احتياج الى قصد التعظيم ومن دون احتياج الى قصد الأمر فلو القي إنسان من شاهق وقع في مقابل الغير على طور السجود والتعفير لما يفيد تعظيما ولا يصدق عليه انه خضوع وتذلل من الفاعل ومن هذا القبيل اي من قبيل العبادات الذاتية الثناء على الله سبحانه وتقديسة وتمجيده والدعاء والسجود له سبحانه والأوامر الواردة في الكتاب والسنة للتسبيحات والتمجيدات والدعاء والسجود كلها أوامر إرشادية يكون الإتيان بها عبادة وتواضعا لله سبحانه من غير احتياج الى قصد أمرها نعم بعد تحقق العبادة