١ ـ أن المراد من القبلة المعرفة باللام ما سبق في الآية السابقة في قوله تعالى. (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) فمورد اعتراض السفهاء عليه (ص) وعلى المسلمين انما ترك القبلة التي كانوا عليها.
٢ ـ أن المراد من الجعل في الآية هو التشريع والأمر وهو لا يمكن الا بعد الرسالة وبعد الأمر بالبلاغ حتى آمن به جمع من الناس يريد تعالى بهذا الجعل امتحانهم واختبارهم لكي يميز المؤمن من المدبر واما قبل الرسالة والبلاغ في زمان نبوته أو رسالته ولم يؤمر بالتبليغ سيما تبليغ الأحكام فليس هناك جعل ولا تشريع ولا بلاغ فلا محالة يكون بعد الرسالة بزمن يسير أو كثير. فعليه يبطل ما قيل انه (ص) صلى الى البيت المقدس مدة مقامه بمكة وكذلك قول من زعم انه صلى اليه من بدو رسالته مقارنا معه الا أن يكون تسامحا في التعبير.
٣ ـ ان الجعل الثاني للكعبة ونسخ بيت المقدس قوله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ) الآية لم يتحقق بعد فيبطل ما قاله الرازي.
٤ ـ ان هذه القبلة حيث ما شرعت انما شرعت للاختبار والامتحان لا تأليفا لليهود بالنسبة إلى جعل بيت المقدس ولا تأليفا للمشركين بالنسبة إلى جعل الكعبة للمشركين فلا محالة يقع المجعول امتحانا للمؤمنين لا اليهود فان الامتحان لليهود يكون في رفعها ونسخها وصريح الآية ان الامتحان في جعل القبلة لا في نسخها فتبين من جميع ما ذكرناه. ان المراد من القبلة المجعولة هي بيت المقدس بمكة والممتحن المؤمنون من العرب وقريش ومن يريد ان يؤمن من المشركين وانه (ص) ومن معه من المسلمين يصلون إلى الكعبة إلى حين حتى حولت الى بيت المقدس ثم نسخت وأعيدت إلى الكعبة.
في الوسائل مسندا عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) متى صرف رسول الله الى الكعبة قال بعد رجوعه من بدر وكان يصلي في المدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثم أعيد إلى الكعبة.
أقول : قوله (ع) أعيد إلى الكعبة ظاهر في انه (ص) كان يصلي قبل بيت المقدس إلى الكعبة ثم أعيد إليها أيضا والغرض من هذا البيان بيان صرفه (ص) الى الكعبة فلا ينافي ما استظهرنا من الآية ان هذا الجعل وقع في مكة ولا ينافي أيضا للروايات المصرحة بذلك وانه يصلي في مكة إلى بيت المقدس ففي بعض منها انه يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس وفي بعض منها ثلاثة عشر سنة.
ومما يستأنس ان الرسول (ص) يصلي في مكة إلى الكعبة في أوائل أمره ما في البحار عن أعلام الورى عن دلائل النبوة مسندا عن عفيف انه قال كنت امرء تاجرا فقدمت منى أيام الحج وكان العباس بن عبد المطلب امرء تاجرا فأتيته والمتاع