موسع وتظهر فائدة الخلاف بين القولين فيمن أتى به عند خلو ذمته من العبادة المشروطة به هل يأتي به بنية الوجوب أو الندب؟ وفي عصيانه فمن كان جنبا ويظن أو يعلم انه يموت قبل حلول وقت عبادة واجبة مشروطة بالغسل فلو تركه مات عاصيا وتاركا لهذا الواجب وقد نوقش في كلتا الفائدتين وقالوا لا إشكال في مشروعية الغسل قبل حلول الوقت ونية الوجه لم يعلم وجوبه فيصح الإتيان بغسل الجنابة بقصد امره من غير قصد نية الوجه سواء قلنا انه واجب أو مندوب. واما الفائدة الثانية فقلما يتفق موردها ولو اتفق أحيانا قال العلامة المجلسي (قده) يوقعه خروجا عن الخلاف انتهى.
ثم انه لا ينافي الوجوب النفسي بناء على القول به مع الوجوب الغيري وأخذ الغسل شرطا في صحة الصلاة مثلا كما انه كذلك بالنسبة إلى الاستحباب النفسي. فتحصل في المقام ان الآية الكريمة تفيد إيجاب الغسل للصلاة لا إيجابه لنفسه وأن استحبابه النفسي على ما هو التسالم عليه عند الفقهاء قدس الله أسرارهم انما هو بحسب الأدلة الأخرى غير الآية الكريمة.
قوله تعالى (جُنُباً) قال الراغب في مفرداته بعد تفسيره بالابعاد وقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) أي أصابتكم الجنابة الى ان قال وسميت الجنابة لكونها سببا لتجنب الصلاة بحكم الشرع وقريب منه ما في بعض العبارات حيث قالوا أنه في اللغة بمعنى الابعاد وشرعا هو البعد عن أحكام الطاهرين.
أقول قد اشتبه الأمر على الراغب ومن قال بمثل مقالته ولازم ما ذكروه هو القول بالحقيقة الشرعية في لفظ الجنب وهو مكان من الوهن ، ضرورة أن الجنابة أمر واقعي ومن كان به جنابة بما له من اللغوي فهو موضوع بعده من الأحكام الشرعية الواجبة أو غيرها فلحاظ البعد والابعاد انما هو بحسب الوضع اللغوي لا بلحاظ حكم الشرع وأخذه قيدا في المعنى اللغوي.
والتحقيق ان الجنب قد استعمل في معان كثيرة منها البعد المكاني مثل قوله تعالى (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (قصص آية ١١) وقوله تعالى (وَالْجارِ الْجُنُبِ) قال في القاموس بضمتين اي اللازق بك من غير قومك والجار الجنب بضمتين اي البعيد وفي أقرب الموارد والجار الجنب أي جارك من غير قومك ومنه (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ) الآية (نساء آية ٣٦) اي البعيد وفي المفردات جنب فلان خير أو جنب شرا قال تعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) (ليل ١٨ ـ ١٩) وإذا