وفيه أيضا عن خثيمة بن أبي خثيمة قال : كان الحسن بن علي (ع) إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فقيل له يا بن رسول الله لم تلبس أجود ثيابك فقال ان الله جميل يحب الجمال فأتجمل إلى ربي وهو يقول (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فأحب أن ألبس أفضل ثيابي ولا يخفى أن تفسيره بالمشط والطيب والغسل في بعض الروايات من باب بيان المصداق ولا منافات بينها.
بحث وتحليل
قد يتوهم ان مفاد هذه الآية الكريمة المبحوثة عنها من استحباب التجمل بأجود ما يقدرون عليه من اللباس ينافي ما هو المتسالم من فضيلة الزهد وإيثار الآخرة عن الدنيا والاعراض عنها والإقبال لكل همته الى الله سبحانه والانقطاع التام إلى جنابه جل شأنه والرغبة والاشتياق إلى الآخرة ودار الكرامة ومحل الرحمة قلت نعم هذه المسألة من أغمض المسائل الخلاقية وقد وقعت مشاجرات واحتجاجات بين متصوفة العامة وبين الأئمة الأبرار من آل الرسول منها ما في معايش الكافي من المناظرات والاحتجاجات التي وقعت بين الصادق (ع) وبين السفيان الثوري وأصحابه من الصوفية حين أنكر سفيان على الصادق عليهالسلام ما لبسه من الثياب لا مجال للخوض فيها وإيرادها في المقام. فعند متصوفة العامة ان الزهادة هو التقشف وعبارة عن لبس الخشن وأكل العشب وأما عند ال الرسول ان الدنيا إذا أقبلت واراخت غزاليها فالابرار والاطهار من أوليائه تعالى اولى بها والاستفادة منها من الفجار والأراذل والأشرار وان الله لا يبغض طعاما ولا لباسا. قال تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ). فاستدلوا بهذه الآية في إبطال مقالة متصوفة العامة. وقالوا ان الله سبحانه جمع الوهد في كتابه في كلمتين وقال (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ). فخلاصة قولهم في المقام ان الزهد من أعلى مراتب الايمان وأفضل الإيقان بحيث ان يخرج حب الدنيا وما يتعلق بها عن قلب المؤمن وينحصر همه وغرضه وجه الله الكريم والتشرف بقربه والوقود الى حريم كبريائه وهو يرى نفسه أجل وامتع من الدنيا وما فيها وليست الدنيا التي تمد الرجال إليها أعناقهم وأعينهم عند ولي من أوليائه تعالى لا كفيء الظلال أو قطعة لحم في يد مجزوم أو لماظة قذفها من فمه متكبر جبار وأما التمتع من نعم الدنيا والطيبات من أرزاقها ونعيمها فهي أهون عند الله سبحانه واخزى من أن يمنع أوليائه وأحباءه منها.