وخاصة ما ينافي التوحيد مثل أكل ما أهل لغير الله كما في سورة النحل والبقرة وفي بعضها بعد توبيخ الذين قالوا بتحريم عدة من المباحات افتراء على الله ثم ذكر عقيبه (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ.) الآية. كما في سورة الانعام والفرق الآخر الإجمال في الآيات السابقة والبسط والتفصيل في هذه الآية على ما سيجيء والآيات السابقة متعرضة للحرمة من غير مستقيم ضمنا بخلاف هذه الآية فإنها سيقت لإفادة الحرمة مستقيما
قوله تعالى (الْمَيْتَةَ) قيل انها كل حيوان مباح أكله إذا مات من غير تذكية شرعية وقيل ان المراد منها كل حيوان طاهر العين مات من غير تذكية شرعية وعلى كل تقدير فجميع ما ذكر بعد الميتة في هذه الآية وعطف عليها من الدم وما أهل لغير الله الى آخره من إفراد الميتة والوجه في ذكرها وبسط الكلام فيها لدفع توهم إباحتها على ما هو المرسوم في أدوار الجاهلية ومن السنن الثابتة عندهم وخاصة ما أهل لغير الله وما ذبح على النصب.
لا يخفى انه لا بد من تقدير متعلق للتحريم ضرورة أن الأعيان مع قطع النظر عن أكلها والانتفاع بها لا يعقل ان يكون حراما فمقتضى الإطلاق الذي لا ريب فيه عموم الانتفاعات الدائرة عند القائلين بحليتها ولا وجه لتخصيص التحريم بالأكل فإنه خلاف الظاهر وخلاف إطلاق الآية وتخصيص من غير مخصص فيندفع ما أحتمله بعض المفسرين ان المنسبق الى الذهن عند إطلاق اللفظ ما يراه من تلك الأعيان كما ينسبق الى الذهن في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) الآية (نساء ٢٢) تحريم النكاح. وجه الاندفاع وضوح الفرق بين المقيس والمقيس عليه أولا وعموم الانتفاعات مما ينسبق الى الذهن أيضا هذا ثانيا ، وثالثا ان الانسباق المذكور انسباق بدوي غير معتد به فالمتبع هو الأخذ بالإطلاق في موارد الإطلاق وبالعموم في موارده حيثما سرى.
نعم يمكن أن يكون ذكر الدم ولحم الخنزير قرينة أن المضاف المقدر هو الأكل ولا يخفى ضعفه وعلى فرض عموم المضاف فمن جملة الانتفاعات المتعارفة الانتفاع بجلودها وهو محرم بحسب إطلاق الآية سواء اتخذها فرشا أو ظرفا أو لباسا أو أثاثا أو غيرها فيحرم لبسها والانتفاع بها والصلاة فيها وأما بطلان الصلاة فيها فيتوقف على ارتكاب كل محرم في الصلاة مبطل لها فبمعونة الروايات الواردة في جلد الميتة واجزائها ومنع الصلاة فيها ولو بشع نعل يتم القول ببطلان الصلاة فيها.
وبناء على ما ذكرنا من إطلاق التحريم فالآية الكريمة قاضية بالتحريم مطلقا سواء دبغت أو لم يدبغ وليس في الكتاب والسنن المعتبرة ما يصلح للتقييد. قال الجصاص في أحكام القرآن فقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح وسفيان الثوري وعبد الله بن الحسن الغبري والأوزاعي والشافعي يجوز بيعه بعد الدباغ والانتفاع به وروي بإسناده عن النبي (ص) انه أتى في غزوة تبوك على بيت وبفنائه قربة معلقة