الحرام.
قوله تعالى (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قيل ان مسجد مصدر بمعنى السجود أو المراد منه الصلاة سميت به تسمية للكل باسم جزئه وقيل المراد به مكان السجود ومحله وهي المساجد أو مطلق وجه الأرض وقد تقدمت رواية الحلبي ان المراد هي المساجد المحدثة ففي تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في قوله تعالى (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال مساجد محدثة فالمراد ان يقيموا وجوههم شطر المسجد الحرام.
أقول لا بأس بالأخذ بعمومه مسجدا كان أو وجه الأرض وحمل الرواية على بيان أفضل الأفراد.
قوله تعالى (وَادْعُوهُ) عطف على قوله تعالى (وَأَقِيمُوا) وهذا قرينة اخرى ان المراد من المسجد هو ما ذكر في الروايات ولو كان المراد هو السجود أو الصلاة لكان الأنسب بنظم الآية تأويله بالفعل وعطف وادعوه اليه بخلاف ما لو قيل ان المراد منه المكان من دون احتياج إلى تأويل على أن في القول انه الصلاة ارتكاب مجاز بعناية علاقة الكل والجزء.
قيل في قوله (وَادْعُوهُ) أي واعبدوه وقيل انه الدعاء نفسه ولا تأويل وقوله تعالى (مُخْلِصِينَ) حال من فاعل أقيموا وادعوا اي مصونا ومحفوظا عن شائبة الرياء واستظهر بعض الأعاظم بهذا البيان استحباب الدعاء في المساجد وشرط الإخلاص وعدم الرياء فيه.
أقول لا ريب ان الدعاء من أجلي إفراد العبادة وكذلك الصلاة أيضا ولا وجه لحمل الدعاء على العبادة بعدم الدليل عليه نعم لا بأس بحمل الدعاء على الصلاة فإن من أهم اجزاء الصلاة الدعاء بعلاقة الجزئية والكلية لو قام دليل على ذلك واما القول بأن الآية تفيد اشتراط الإخلاص في الدعاء فممنوع جدا وقد ذكرنا شرحا شافيا في تفسير قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة ٥) ان الآية وأمثالها في مقام إبطال الأوثان وخلع الأنداد أي وادعوه موحدين ومعترفين بأن الدين لله لا شريك له فلا يصلح لأحد أن يضع دينا لأحد بل يجب على الجميع التدين بالدين الذي قرره سبحانه.
فان قيل فرق بين هذه الآية والآية في سورة البينة فإن الآية تأمر بتوجيه الموحدين وجوههم نحو القبلة وتأمرهم أن يدعوا ربهم في مساجدهم مخلصين بخلاف الاية في سورة البينة فإنها في مقام توبيخ أهل الكتاب والمشركين بأنهم أمروا أن يعبدوا الله موحدين.
قلت يجب على القائل ان يمعن النظر في ان المتعلق والمفعول بقوله مخلصين هو الدين ويجب الإخلاص في