يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) الآية المزمل (٢٠).
بيان : الآية الكريمة وسياقها في مقام التقدير والتشكر مما كان يفعله (ص) وأوليائه المؤمنون من القيام بالليل والتهجد والتعبد فيها بالعبادة واحصائهم ساعات الليل وأوقاتها بما ذكر في الآية بالثلثين والنصف والثلث وقد روي أن بعضهم لما لم يتمكنوا من إحصاء ساعاتها يقومون الليل كله فشف ذلك عليهم فشكر الله سبحانه سعيهم وحمد موقفهم الجميل ورضي مقامهم الحميد وأمر بالتخفيف على أنفسهم والتسهيل عليها ورضي عنهم بالعمل القليل من الكثير واعتذر سبحانه عنهم بفضله وكرمه انه (سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) ابتغاء الرزق من فضل الله (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) احياء لدينه وإعزازا لاسمه الكريم فقال جل مجده إرفاقا وترخيصا وتخفيفا (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ). الآية.
وضروري عند أولي الألباب ان الآية المسوقة للتشكر من فعله (ص) وفعل المؤمنين ما سيقت في مرحلة التشريع وافادة الوجوب المولوي لصلاة الليل على المسلمين بل فيها ما يدل على عدم الوجوب فان قوله تعالى (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) إن القائمين معه كانت عصابة خاصة من المؤمنين فيسقط ما ذكره الجصاص في كتابه أحكام القرآن ج ٣ ص ٥٧٧ ان الآية نسخ بها قيام الليل المفروض وما ذكره الكشاف أيضا حيث قال في تفسير المقام يريد فصلوا ما تيسر عليكم ولم يتعذر من صلاة الليل وهذا ناسخ للأول ثم نسخا جميعا بالصلوات المكتوبات. انتهى.
أقول لا دلالة في صدر الآية ولا في غيرها من الآيات على وجوب صلاة الليل كي يكون منسوخا بقوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) قال الشيخ (قده) في التبيان ج ١ ص ١٦٩ وقد قلنا في ان الأمر في أول السورة على وجه الندب فكذلك هيهنا فلا وجه للتنافي حتى ينسخ بعضها لبعض انتهى.
قوله تعالى (أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) أي ما يقل من الثلثين ويقرب منه (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) بالنصب ورجوع الضمير الى الليل وفيه أيضا إشعار ان قيامهم كان على الندب وكذلك لو قرء بالجر اي يضيف الثلثين وثلثه فان عدم تعيين الوقت وإرسال الحكم معلقا على أحياءهم من حيث مقادير الليل وقيامهم فيها غير ملائم للواجب والوجوب
قوله تعالى (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) الآية الظاهر ان هذه الجملة بمنزلة التعليل لقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ) فإنه سبحانه خلق الليل والنهار وقدر ساعاتهما ولحظاتهما وآناتهما فهو تعالى يعلم ما يعمل العاملون فيهما.
قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ). الآية أي لا تتمكنون من إحصاء الليل من حيث مقادير أوقاتها أو لا تتمكنون من إحصاء الليل واستيعابه بالعبادة.
قوله تعالى (فَتابَ). اي رجع عليكم بالفضل