موافقة وأشد مواطئة للقلب مع اللسان والسمع على قراء أعد وأثبت للإقدام على قراءته وطأ أقدام القلوب وطمأنينة النفوس. (وَأَقْوَمُ قِيلاً) قيل أصدق قولا وأسد مقالا.
قوله تعالى (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ـ واعلم ان الله سبحانه قد سمى نفسه بأسماء وأمر الناس ان يدعوه بها قال الله تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) (الأعراف ١٨) فهذه الأسماء منها ما يحكي عن نعوت ذاته مثل العلم والقدرة والحيات ومنها ما يحكي عن نعوت أفعاله الحكيمة الحميدة سواء كان من الأسماء التي يخاف مثل بأسه وانتقامه وقهره وسطواته على أعدائه أو من الأسماء التي يرجى مثل الحلم والرحمة والإحسان وأمثالها والقرآن الكريم قد تكفل لعدة مهمات من هذه الأسماء الكرام العظام ومرجع ذكر اسمه تعالى في قوله (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) أن دعائه تعالى وذكره سبحانه بهذه الأسماء تسبيح وتقديس وتمجيد وتحميد وتكبير وتعظيم وثناء للذات المقدسة للاولوهية وهو عبادة بالذات من غير احتياج الى جعل وتشريع محسنة بالضرورة والأوامر الواردة في الكتاب والسنة بالتسبيح والتقديس والتمجيد كلها أمر إرشادي وكذلك التبتيل والانقطاع اليه بالدعاء والتضرع والذكر بهذه الأسماء الكريمة وغيرها تواضع وتخشع وعبادة بالذات وحسن جميل بالضرورة.
في القاموس تبتل الى الله انقطع وأخلص «انتهى» وفي أقرب الموارد تبتل الى الله انقطع عن الدنيا اليه انتهى وقد وردت في تفسير التبتيل روايات يقرب مفاد بعضها من بعض منها ما قال في المجمع روى محمد بن مسلم وزرارة وحمران عن ابي جعفر وأبي عبد الله (ع) ان التبتيل هنا رفع اليدين في الصلاة وفي رواية أبي بصير رفع يديك الى الله وتضرعك اليه انتهى. ولا تنافي بين روايتي المجمع وغيرها من الروايات فان جمعها مصداق للتبتيل إذا تقرر ذلك فنقول :
ان الأمر بترتيل القرآن والحث والتشويق على ناشئة الليل وبيان شيء من فوائدها وآثارها لتشويق السامعين والأمر والإرشاد إلى ذكر اسم الله الكريم والانقطاع بكنه الهمة وحقيقة الإخلاص الى الله سبحانه والأدبار إلى الدنيا كلها فضائل ومكارم يحاول القرآن الكريم تربية الناس بهذه الفضائل وتأديبهم بهذه المكارم وقرائن وشواهد عند الفقيه ان لحن تلك الآيات الكريمة ليس لحن الإيجاب والفرض بل سيقت في سياق الاستحباب والرجحان والفضل وتكون تلك الآيات قرينة واضحة ان الأمر بوله قم في صدر السورة مسوقة بهذا السياق أمر ندبي والمراد به قيام الرجل في الليل إلى الصلاة وان قوله تعالى (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) عبارة أخرى عن مفاد الأمر وفي مرحلة التعليل وبيان شيء من حكمة هذا الأمر».