الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) الواقعة ٨٠.
استدلوا بهذه الآية على تحريم مس كتابة القرآن وخالف في ذلك بعض المحققين على ما سنشير إليه في ذيل البحث إن شاء الله.
«قوله تعالى (إِنَّهُ)» قالوا ان الضمير المنصوب راجع الى المتلو اي ما تلوناه عليك (لَقُرْآنٌ) وهو فعلان من قرء يقرء بمعنى المفعول سمي به الكتاب المجيد باعتبار كونه حروفا وألفاظا يتلى ويقرء (كَرِيمٌ) قيل اي كثير الخير والنفع لما فيه من أصول العلم وأمهات الشرائع وفي القاموس ما ملخصه كريم اي معظم ومنزه قوله (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) الكتاب بمعنى المكتوب المكنون اي المستور قيل المراد به اللوح المحفوظ وهو صفة للقرآن أيضا وفيه تصريح بأن المراد من الكتاب في المقام ليس هو القرآن كما في غير هذا المقام من إطلاق الكتاب على القران كثيرا ويحتمل ان يكون خبرا ثانيا لان قوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) صفة للقرآن أيضا أو خبر لان والجملة خبرية أريد بها الإنشاء والشاهد القطعي على انها نعت للقرآن قوله (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) فان التنزيل صفة للقرآن بلا ريب ، ولا معنى لكون التنزيل صفة ونعتا للكتاب المكنون فيسقط ما احتمله بعض المحققين من رجوع الضمير الى الكتاب وكون الجملة نعتا للكتاب ويشهد على ما ذكرنا لفظ المس أيضا فإن المس هو الإلصاق الظاهري وإطلاق المس على الإدراك سيما ادراك الحقائق الغائبة عن الحس غير معهود في إطلاق القرآن المبين ومحاوراته والمس الظاهري للكتاب المكنون لا محصل له.
والظاهر ان هذا التعبير بالنفي أظهر وأقوى في إفادة المنع والتحريم فحينئذ يكون المراد من المطهرين هم الواجدون للطهارة والنظافة الظاهرية ويشمل بإطلاقه وعمومه لمن تطهر من الأحداث وقد ناقش في ذلك المحقق الأردبيلي (قده) من احتمال رجوع الضمير الى الكتاب وقواه بعض بأن رجوعه الى الكتاب أولى لأنه أقرب وقد غفل هذا المحقق عما ذكرنا انه لو كانت هذه الجملة نعتا للكتاب لوجب ان يكون قوله تعالى (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) نعتا للكتاب أيضا وغفل أيضا عما ذكرنا من الاستبعاد من إطلاق لفظ المس على الإدراك العلمي وأوهن من هذا ما ذكره في قلائد الدرر عن بعض أن قوله تعالى (لا يَمَسُّهُ) الآية نعت للقرآن باعتبار ما كان في الكتاب المكنون قبل التنزيل وهذا اخراص من القول إذ لا شاهد عليه في ظاهر اللفظ وظاهر الآية صرح ان القرآن غير الكتاب المكنون وليس بمرتبة من مراتب الكتاب المبين كما زعمه الأعاظم من الصوفية ، فإن قلت ان المستثنى وهو المظهرون اي الواجدون للطهارة والطهارة في اللغة مطلق النظافة فأي دلالة في الآية على