فتلخص من جميع ما ذكرناه ان ظاهر الآية الشريفة نجاسة المشركين سواء كان لفظ نجس مصدرا أو صفة وسواء كان بوزن فعل «بفتحتين» أو فعل «بكسر وسكون» كما هو المتسالم عليه عند معظم الفقهاء واما إسراء الحكم الى غير المشركين من أصناف الكفار فخارج عن مفاد الآية الكريمة فليلتمس من أدلة أخرى.
(قوله تعالى (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) الآية الفاء للتفريع الا انه ليس فيه دلالة على ما استظهرناه من نجاسة المشركين فان التفريع يصح على جميع الوجوه سواء قلنا بالنجاسة الشرعية أو بالكشف عن النجاسة الواقعية كما ذكره الشيخ (قده) أو قلنا بالنجاسة المعنوية اي خبث بواطنهم وسرائرهم بالكفر.
والنهي عن قرب المسجد نهي عن دخوله بطريق المبالغة والتأكيد كما في قوله (لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) و (لا تَقْرَبُوا الزِّنى) وهذا النهي ليس نهيا تكليفيا كما ذهب بعض المفسرين وانما هو حكم وضعي مثل قوله (ع) لا يرث الكافر المسلم وأمثاله فلا يصح الاستدلال به على تحريم دخول الكافرين في مسجد الحرام بل يمنعون منه ويطردون عنه والمخاطب بإجراء هذا الحكم هم المؤمنون المخاطبون في صدر الآية ولا يصح أيضا الاستدلال به على ان الكفار مكلفون بالفروع كما انهم مكلفون بالأصول بل الأمر بالعكس ومنعوا عن حضور الموسم قوله تعالى (الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) قيل ان المراد ان المشركين منعوا عن الحج والعمرة وحضور الموسم وهو المحكي عن أبي حنيفة وقيل المراد منعهم وعزلهم عن ولاية الحج وامارة الحاج ونظارتهم في شئونهم كما كان قبل الحين.
وقيل ان المراد المنع عن دخول الحرم والحرم كله مسجد بالنسبة الى هذا الحكم. أقول الآية الكريمة لا تدل على تحريم شيء مما ذكروه وانما تدل على المنع من دخول المسجد الحرام واما ما سوى ذلك فقد علم بعض منها من السنة.
قال المسعودي في مروج الذهب ص ٢٩٧ وفي سنة تسع حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالناس وقرأ عليهم علي ابن أبي طالب سورة براءة وأمر أن لا يحج مشرك ولا يطوف بالبيت عريان انتهى. وفي المجلد السادس من البحار ص ٦٣٦ وروى عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال خطب على الناس واخترط سيفه فقال لا يطوفن بالبيت عريان ولا يحجن البيت مشرك ومن كان له مدة فهو الى مدته ومن لم تكن له مدة فمدته أربعة أشهر وكان خطب يوم النحر انتهى وفيه أيضا وذكر أبو عبد الله الجاحظ بإسناده عن زيد بن بقيع قال سألنا عليا بأي