من جميع ما ذكرنا من الوجوه في الآية وجوب تطهير الثياب عن النجاسات والتجنب عن الرجز والقذر في حال الصلاة وقد نسب ذلك القول (أي ان الآية تفيد وجوب الطهارة في اللباس) في كنز العرفان إلى الأكثر.
أقول اما الوجه الأول الذي استدل به من ناحية وجوب التطهير ففيه ان الأمر أي صيغة الأمر ليست موضوعة لغة للوجوب ولا قرينة هنا ان هذه الطهارة طهارة شرطية بل الإطلاق يحكي ويقتضي ان المراد هو مطلق النظافة المستحسنة أو الالتزام بوجوب مطلق النظافة فإطلاق الطهارة وحملها على المعنى اللغوي الموضوع له للفظ قرينة على عدم الإطلاق في صيغة الأمر.
وأما الوجه الثاني فنقول ان هذه السورة أول ما نزلت على رسول الله (ص) أو انها من أوائل ما نزلت قالوا ان أول ما نزل اقرء بسم ربك ثم نون والقلم ثم المزمل ثم المدثر وفي بعض التواريخ ان المدثر نزلت عليه وهو في بيت خديجة فأمره سبحانه بالإنذار وبالتكبير فخلاصة القول ان هذا التكبير ليس التكبير لأجل افتتاح الصلاة به بل أمره سبحانه عند طليعة دعوته الحقة بالإنذار وهو من أهم وظائف النبوة وأعظم أثقالها ومن أكبر أصولها كما قال (ص) اني لكم نذير بين يدي عذاب شديد فهو (ص) مأمور بالابشار بما يستقبل البشر من العوالم السرمدية بما فيها من السرور والصفا والبهاء وبالإنذار بما تستقبلهم من المحن والمصائب والبلاء ومأمور أيضا بالدعوة الى الله العزيز القدوس وازالة الأوهام والظلمات الغاشية لآفاق النفوس والعقول من انغمازهم في الشرك وسقوطهم بعبادة الأوثان فمعنى تكبيره تعالى في قوله (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) هو تنزيهه وتقديسة جل ثناؤه عن كل ما يلحدون وتجليله سبحانه عن جميع ما يقولون ويصفون فمرجع قوله (ص) الله أكبر أي الله أجل وأكبر من ان يوصف فهذا التكبير خلع للأنداد وإبطال لجميع الأصنام والأضداد فهذا عين الدعوة الى الله وتوحيده فقد حكى في البحار ج ٦ ص ٣٤٦ في قضية مبعثه انه لما دخل الدار صارت الدار منورة. فقالت خديجة ما هذا النور قال نور النبوة قولي لا إله إلا الله فأسلمت خديجة فقال يا خديجة إني لأجد بردا فدثرت عليه فنام فنودي (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) فقام وجعل إصبعه في أذنه فقال الله أكبر الله أكبر فكان كل موجود يسمعه انتهى ما أردناه ولا خفاء عند أولي الألباب انه لا تفاضل بينه تعالى وبين ما سواه من الموجودات فلا يقاس سبحانه بشيء من الموجودات كي يكون تفاضلا بينه وبين ما سواه فليس غيره في عرضه فلا بد من تجريد أفعل من معنى التفاضل وتفسيره ان يقال الله أكبر من ان يوصف وأجل من أن يتوهم أو يحد كما في قوله تعالى فيما يحكيه عن يوسف الصديق (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) قال السيد (قده) في شرح الصحيفة المباركة في تفسير قوله عليهالسلام أنت الله الكريم الأكرم الدائم الأدوم قال الأدوم أي البليغ الدوام وافعل هنا مجرد عن