وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) الآية فإن الشرك وقتل النفس من الكبائر العقلية ومنها قوله (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (المدثر ٤٣) والاستدلال بها متوقف على ان المراد من المصلين هو الصلاة المفروضة ويحتمل ان المراد منها انا لم نك من اتباع السابقين من الأنبياء المقربين والأئمة الموحدين واما لو قيل ان المراد في الآية هي الصلاة المكتوبة فالاستدلال بها في غاية الضعف فان جواب أهل سقر انا (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) انما قالوا انا (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) اي من الفريق الذين نجوا من النار لصلاتهم وصالحات أعمالهم فإن الصلاة من شعار المؤمنين وخصائصهم وكانت عليهم كتابا موقوتا في البرهان عن الكافي مسندا عن أمير المؤمنين (ع) كان إذا حضر الموت يوصي أصحابه بكلمات يقول تعاهدوا الصلاة ـ (أمر الصلاة نسخه نهج) وحافظوا عليها واستكثروا منها (وتقربوا بها وسائل) فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقد علم ذلك الكفار حين سألوا (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ). الحديث ولا يخفى ان مرجع كلا التفسيرين إلى أمر واحد. ومنها قوله تعالى (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (القيامة ٣١) والاستدلال بها متوقف على ان المراد من قوله تعالى ـ (صَلَّى) ـ هي الصلوات المفروضة ولكن الظاهر بقرينة قوله تعالى (وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) اي ما صدق ما يجب تصديقه ولا اتبع دعوة الحق بل كذب وأدبر إليها وتولى والمنقول في شأن نزولها انها نزلت في شأن معاوية ومغيرة به شعبة فحينئذ يخرج عن محل البحث.
ومنها قوله تعالى (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (فصلت ٦) أقول : طرح البحث في الآية الكريمة نفيا وإثباتا يحتاج الى بسط من الكلام وسنتعرض إن شاء الله لتفسيره في البحث عن آيات الزكاة. ويحتاج أيضا الى تعيين المراد من لفظ المشركين لشيوع إطلاقه على من اتبع المبدعين كما في قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) الآية وعلى المنافقين وعلى من نصب نفسه اماما من غير اذن الله فأطاعه في ما يأمر وينهى وغيرها من الموارد.
فالعمدة في إثبات المدعى هو الإجماع والدليل العقلي بأن يقال انه لا يجوز للكفار الإصرار على الكفر والإدامة عليه وسلب الصلاحية عن أنفسهم بالتقريب الى الله سبحانه بالعبادات فيجب عليهم بضرورة العقل التوبة من الكفر والايمان بالله المعروف بالفطرة والظاهر أناته والمتجلي بخلقه لخلقه فيحصل لهم الصلاحية لتوجيه الخطاب إليهم فعلى هذا يصح ان يقال لا مانع من شمول الخطابات عقابا لا خطابا لو قام دليل شرعي أو عقلي على ذلك فان الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار