فاذا اضطرّ المكلّف إلى الدخول في الدار المغصوبة بأن يدخلها لا بسوء الاختيار فلا ريب ان هذا موجب لارتفاع حرمة الخروج عنها ، وبتبعه يرتفع العقاب عليه ، ولكن يبقى ملاك وجوب الخروج عنها تخلصا من الغصب ، إذ من الواضح ان الاضطرار إلى ارتكاب الحرام ليس من العناوين الموجبة ذاتا لارتفاع ملاك التكليف ، اعني المصلحة والمفسدة ، بل من المحتمل أن يكون الملاك مشروطا بالاختيار ، فبعروض الاضطرار يرتفع لأجل ارتفاع شرطه ، وأن لا يكون مشروطا بالاختيار فبطروء الاضطرار لا يرتفع الملاك ، بل يبقى الفعل والترك على المصلحة والمفسدة ، فبعد سقوط التحريم يبقى ملاك الوجوب حال كونه مؤثرا فيه ومقتضيا له لسقوط التحريم عن صلاحية المزاحمة للوجوب ، فيترتب على الملاك الباقي أثره فعلا ، وهو الوجوب الفعلي. ف (كان) في كلامه قدسسره تامة فاعلها ضمير الملاك. وكلمة (مؤثرا) منصوب على الحالية من فاعلها.
فان قيل : ان الاضطرار كما يرفع التحريم يمنع من ثبوت الوجوب ، فان الاختيار احد شرائط التكليف بلا فرق بين الوجوب والتحريم وغيرهما من الأحكام ، فيكف يثبت الوجوب لثبوت ملاكه بعد ارتفاع التحريم بالاضطرار؟
قلنا : ان محل البحث فيما إذا كان ملاك الوجوب ثابتا في فرد من الطبيعة المحرّمة من باب المقدّمية لا في نفس الطبيعة التي تعلّق بها النهي. فالاضطرار إلى الطبيعة ليست اضطرارا إلى خصوص الفرد الواجد لملاك الوجوب فيجوز تعلق الوجوب به ويكون باعثا اليه ، ولكن يجب هذا الفرد من الخروج عقلا ، نظير ارتكاب أقل القبيحين ، كما لا يكون الخروج حراما من أول الأمر ، فهذا الخروج مثل الخروج الذي لا يكون بحرام بل كان واجبا من أوله إلى آخره.
ولكن هذا كلّه إذا لم يكن الاضطرار إلى فعل الحرام بسوء اختيار المكلف ، كما لو حبسه الجائر في مكان مغصوب ثمّ اطلقه منه ، فان الخروج واجب وليس بحرام قطعا.