لا من جهة صيرورتهما راجحين بالنذر كي يقال ان الوجوب الحادث بالنذر توصلي فمن أين نشأت عباديتهما فيشملهما الدليل الذي يدل على لزوم رجحان في العبادات؟ هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل ، أي انا نحتاج في صحتهما إلى اعتبار الرجحان الذاتي او اعتبار الرجحان الحادث فيهما بسبب النذر ، إذا لم نقل بتخصيص عموم اعتبار الرجحان في المنذور بالدليل الذي يدل على صحة الصوم في السفر بالنذر وعلى صحة الاحرام قبل الميقات به ، واما إذا قلنا بالتخصيص فيمكن ان يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما بعد تعلق النذر باتيانهما عباديا ومتقربا بهما إلى الله تعالى لأن الناذر قال نذرت لله أن أصوم في السفر شكرا أو زجرا. وقال نذرت لله تعالى أن احرم قبل الميقات شكرا أو زجرا فأجاب المصنّف عن الاشكال الوارد على الوجه الثالث بهذا الجواب المذكور.
اما بيان الاشكال فقد مرّ في بيان الاشكال الوارد على الوجه الثاني.
فان قيل : الاتيان بهما قبل النذر على الوجه القربي غير مقدور للناذر لعدم رجحانهما ذاتا فكيف يتعلق النذر بهما حال كونهما غير راجحين ذاتا فلو لم يكونا راجحين ذاتا لما أمكن تعلق النذر بهما لاشتراط الرجحان في متعلقه والمنذور وإذا لم يمكن تعلقه بهما فلا يمكن إتيانهما على وجه القربة وعلى نحو العبادة.
قلنا : القدرة المعتبرة عقلا على المنذور حين العمل لا حين النذر ، ومن الواضح ان الاتيان بهما على وجه القربة حين العمل بالمنذور ممكن جدا بعد تعلق النذر بهما لعروض عنوان الرجحان عليهما بعده ، وهو يكفي في إتيانهما متقربا إليه تعالى وان لم يمكن اتيانهما كذلك قبل النذر.
والحال انه لا يعتبر في صحة النذر إلا التمكن من الوفاء وان كان التمكن ثابتا بسبب النذر إذ لا فرق في صحة التكليف بين المقدور بلا واسطة كالأفعال المباشرية وبين المقدور بواسطة كالأفعال التوليدية.