آخر ولون آخر الله أعلم به (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) وسماء كل من أهل النار والجنة ما فوقهم ، وأرضهم ما تحتهم. قال ابن عباس : لكل جنة أرض وسماء. وهذا معنى قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) إذ العرب يريدون بمثل هذا التركيب التأبيد.
هذا الخلود وهذا الدوام ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك ، وللعلماء قديما وحديثا في هذا الاستثناء وأمثاله أقوال كثيرة ذكر القرطبي منها عشرة والظاهر والله أعلم أنه استثناء من الخلود على معنى أنهم خالدون فيها إلا ما شاء ربك من تغيير هذا النظام المعد ، ويكون المراد أن كل شيء في قبضته وتحت تصرفه إن شاء أبقاه وإن شاء منعه ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى : حكاية عن الرسول (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ).
وقيل : هو استثناء من الدوام في قوله : (ما دامَتِ) لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السموات والأرض في الدنيا لا في الجنة ولا في النار فكأنه قال خالدين في النار أو في الجنة ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك.
والرأى الأول ذكره تفسير المنار وأظنه هو المناسب لقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) ه ويشاءه ـ سبحانه وتعالى ـ.
وأما الذين سعدوا فهم في الجنة خالدين فيها وماكثين بها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مقطوع ولا ممنوع.
وانظر إلى الفرق بين ختام الآيتين فكل من الجزاءين دائم ـ بمشيئة الله تعالى ـ ولكن جزاء المؤمنين السعداء هبة منه وإحسان دائم غير مقطوع وصدق رسول الله «لن يدخل أحد منكم الجنّة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال : ولا أنا إلّا أن يتغمّدنى الله برحمته» وأما الكافرون فجزاؤهم موافق لأعمالهم.