المعنى :
سمع إخوة يوسف نصيحة أبيهم ، وجاءوا إلى مصر ، يتحسسون يوسف وأخاه ، بلا يأس ولا ملل.
فلما دخلوا على يوسف أرادوا اختباره بذكر حالهم وتضرعهم له فإن رق قلبه وتغير حاله ذكروا ما يريدون ، وكان أبوهم يرجح أن هذا العزيز هو يوسف : وقالوا : أيها العزيز. قد مسنا وأهلنا الضر ، وأصابتنا سنين مجدبة قاحلة لم تدع لنا «سبدا ولا لبدا» لم تترك لنا شيئا وجئنا لك أيها الأمير ببضاعة قليلة لا يقبلها التجار ، بضاعة لا تروج إلا بالدفع وحسن العرض وكثرته ، فأوف لنا الكيل وأتمه كما كنت تفعل فقد عودتنا الجميل ، وتصدق علينا بالزائد ، إن الله يجزى المتصدقين ، ويكافئهم على أعمالهم.
هذا كلامهم الذي تحسسوا به يوسف ، وتطلعوا به إلى معرفة خبره.
أما هو فقال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟! وهو استفهام يراد به تعظيم فعلتهم بيوسف قديما حيث ألقوه في الجب وحيدا طريدا عاريا من اللباس ، وما فعلوه في أخيه بنيامين من المعاملة الجافة ، إذ أنتم جاهلون قبح فعلتكم ، وعظم جرمكم ، أى : كنتم في حال يغلب فيها الجهل والطيش (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) [سورة النساء آية ١٧] ، وقيل المعنى : هل علمتم قبح ما فعلتم؟! ألا فلتعلموا أن هذا ذنب كبير يجب أن تسرعوا فيه إلى التوبة ورضاء الله ، أما حقي فأنا أسامحكم فيه ، وهكذا خلق آل إبراهيم من الأنبياء والمرسلين.
كان سؤال يوسف لهم وهو العارف بما فعلوه فاتحة لأن يعرفوه فيطمئنوا أباهم على أولاده الأحبة : وكان مصداقا لقوله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) وصدق الله. ثم وجهوا ليوسف سؤالا يدل على التعجب والاستغراب : أإنك لأنت يوسف؟! عجبوا من ترددهم عليه سنتين وهم لا يعرفونه وهو يعرفهم.
قال نعم أنا يوسف!! وهذا أخى بنيامين الذي فرقتم بيني وبينه وبيني وبين أبى ، قد منّ الله علينا إذ هو الرحمن الرحيم ، العليم الخبير الذي يدافع عن المؤمنين ، يا إخوتى إن الحق الذي نطقت به الشرائع جميعا واتفقت عليه هو : من يتق الله حق تقواه ،