المعنى :
ألم تعلم أيها المخاطب كيف ضرب الله مثلا واختاره وجعله في موضعه اللائق به ، وجعل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، والمراد بالكلمة الطيبة وهي كلمة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، أو كل كلمة في الخير ، والشجرة الطيبة قيل هي شجرة النخل.
شبه الله الكلمة الطيبة وهي دليل الإيمان الثابت في قلب المؤمن الذي يرفع به عمله إلى السماء (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (١) ولا عجب فالمؤمن كلما قال كلمة الحق وشهد بكلمة التوحيد صعدت إلى السماء وأخذت حظها من الثواب الجزيل : شبه الله تلك الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة المثمرة لها أصلها الراسخ في الأرض ، وفرعها في السماء الشامخ في الجوزاء ، وتؤتى أكلها الطيب كل وقت وقته الله لإثمارها بإذن ربها وتيسير خالقها.
نعم إذا حلت الهداية قلب عبد ، وامتلأ قلبه نورا وإسلاما فاض منه الخير والنور على قلوب كثيرة ، كالشجرة الطيبة المثمرة التي يتمتع بثمرها الكثير من الناس.
وهكذا يضرب الله الأمثال للناس ، وفيها زيادة فهم وتذكير لأنها تخرجهم من دائرة المعقول إلى المحسوس ، ومن دائرة المعنى الجلى الذي لا يشك فيه أحد كل ذلك لعلهم يتذكرون ويتعظون!!
ومثل كلمة خبيثة وهي كلمة الكفر أو ما شاكلها كشجرة خبيثة وهي الحنظل ليس لها أصل ثابت بل عروقها وجذورها طافية فوق سطح الأرض فيسهل اقتلاعها. وهذه الشجرة اجتثت من الأرض ليس لها من قرار.
وهكذا أصحاب النفوس العالية والإيمان العميق هم أصحاب الكلمة الطيبة التي تؤتى ثمرها كل حين ، وينتفع بها الناس ، وهي مستقرة في نفوسهم ، وفروعها ممتدة إلى العوالم العلوية ، وما أشبههم بالنخل أصلها مستقر وفرعها عال وثمارها دائم.
وأرباب الشهوات والنفوس الضعيفة هم أصحاب الكلمة الخبيثة التي هي كالحنظل طعما وأثرا.
__________________
(١) سورة فاطر الآية ١٠.