ولعلك تقول وما سواد هذا الطين؟ إنه إشارة إلى ظلام النفس وكدرتها ، وسلوكها الطريق الملتوى غير الواضح (الله ولىّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور) أى : بسبب الكتب السماوية.
وأما الصلصال وما أدراك ما هو؟ إنه الإناء المتخذ من الطين الجاف الذي لم تنضجه النيران فإذا ضربته سمع له صوت أترى هذا الإناء قويا؟ أرأيته وهو أجوف فارغ ضعيف غير متماسك وهكذا الإنسان أمام مغريات الدنيا وثورة الغرائز.
وأما الجان قد خلقه الله من نار السموم.
الجن خلق من خلق الله منهم الصالحون والطالحون (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) [سورة الجن آية ١١] وهم مكلفون مثلنا ، ويتكاثرون ، ويروننا ولا نراهم (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [سورة الأعراف آية ٢٧]. ومنهم من سبقت له الحسنى فهو مؤمن بربه ، ومنهم من غلبت عليه الشقوة فكان من العصاة المذنبين كإبليس وقرينه وهم الشياطين.
ولقد ذكر الله أن الجن خلقوا من نار السموم ، أما حقيقة النار هذه فشيء الله أعلم به ، ولكن في هذا إشارة إلى بعض طبائع الجن. فالنار تعلو وتتعالى ، وقد تؤذى غالبا ، وفيها معنى العجلة والسرعة وقوة الغضب.
ونحن نرى أن إبليس تكبر وعصى ، وتعجل في الحكم وغضب حينما أمر بالسجود لآدم.
إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون ، فإذا سويته وأتممت خلقه ، ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.
ومن هنا يعلم أن الإنسان مكون من مادة أصلها الطين الأسود المنتن ، ومن روح هي من روح الله ، (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء ٨٥].
نعم .. الروح سر من أسرار الله لا يعلم كنهها إلا خالقها ، ولكنها قوة في الإنسان لها الأثر الفعال في سلوك الإنسان واتجاهه في الحياة. هي مصدر الخير والهدى والتقوى والفلاح وكل صفة حسنة من صدق وإيمان وإيثار وتعاون وتساند وأخوة في الله ، روح