قال إبليس : رب بسبب إغوائك لي وحكمك على باللعنة والطرد من رحمتك لأزينن لهم الأرض ، يا سبحان الله!! إنه لسر عظيم ، ذكر الأرض هنا ، فإن إبليس لا يأتى لنا إلا من ناحية الأرض ، والمادة التي ركبنا منها ، وليس له تسلط على الروح فإنها من أمر الله وسلطانه فهو يأتى لنا من ناحية غريزة حب التملك والبقاء ألم يقل لأبينا آدم تزيينا له وإغواء (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) (١) ولقد ذكر الرسول سبب ضعف المسلمين وذهاب عزهم وتكاثر الأجانب عليهم «حبّ الدّنيا وكراهية الموت» ، وهذه أسس البلاء ، ولأغوينهم أجمعين ، والغي ضد الرشاد وخصمه (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (٢).
وما يحسه كل منا من ناحية الشيطان ووسوسته يجعلنا ندرك سر قوله تعالى (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٣) الذين استخلصتهم وأخلصوا لك في العبادة فلا فساد ولا رياء ، ولا يحبون أن يحمدهم الناس بل إلى الله وحده عملوا.
قال الله تعالى : هذا صراط على مستقيم ، وقضاء قضيته على نفسي محتوم ، إنك يا إبليس ليس لك سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، إنما سلطانك على الذين لم يخلصوا الإيمان ، ولم يعمر قلوبهم نور الروح ولم يتصل بهم سر الله اتصالا وثيقا (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٤).
فالناس صنفان خاضع لشهواته ونزواته وماديته وطبيعته وغرائزه وهم شعب إبليس المتسلط عليهم ، وصنف مؤمن تقى روحه طيبة ونفسه كريمة واتصاله بالله قوى وهؤلاء ليس لإبليس عليهم سلطان (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (٥).
وهذا هو الحكم العام : إن جهنم لموعد من اتبعك وسار خلفك ، لها سبعة أبواب مفتحة ومهيأة لكل داخل ، واسعة تسع العصاة والمذنبين ، لكل باب منها جزء مقسوم وعدد معلوم.
__________________
(١) سورة طه الآية ١٢٠.
(٢) سورة الأعراف الآيتان ١٦ و ١٧.
(٣) سورة ص الآيتان ٨٢ و ٨٣.
(٤) سورة الحجر الآية ٤٢.
(٥) سورة الأعراف الآية ٢٠٠.