المعنى :
والذين هاجروا من بلادهم وأوطانهم ، وتركوا أموالهم وأولادهم في سبيل الله وحبا في رضائه ، هاجروا من بعد ما ظلموا ، وذاقوا الأمرين من المشركين ، قيل نزلت في بلال. وصهيب ، وخباب ، وعمار عذبهم أهل مكة حتى ذاقوا العذاب ألوانا ، وقال قتادة نزلت في المهاجرين إلى الحبشة والأولى أن تفهم في الآية العموم ، وأنها تشمل كل من عذب في سبيل الله وهاجر لله ولا مانع من أن تفهم الهجرة على أنها ترك المنهيات كما ورد في الحديث «والمهاجر من ترك ما نهى الله».
والذين هاجروا في سبيل الله لينزلهم الله منزلا ويعطيهم عطاء حسنا في الدنيا ، فيه سعادتهم وغناؤهم وعزهم ، ولأجر الآخرة أكبر وأفضل من أجر الدنيا ، إذ الآخرة هي دار الجزاء والبقاء ، لو كانوا يعملون ، ولو رأوه لعلموا أنه خير وأفضل بكثير ، هؤلاء المهاجرون هم الذين صبروا واحتسبوا أجرهم عند الله ، وعلى ربهم فقط يتوكلون ويعتمدون.
ولقد كانت قريش ترى أن الله أجل وأعلى من أن يرسل بشرا (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) [سورة يونس آية ٢].
فيرد الله عليهم بقوله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى وليسوا من أهل السماء كالملائكة ، ويأمر الله نبيه بقوله (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [سورة الإسراء آية ٩٣].
فإن شككتم في ذلك فاسألوا أهل الذكر والعلم من أهل الكتاب فهم أدرى منكم وأعلم بالرسول إن كنتم لا تعلمون ، ويقولون لكم : إن جميع الرسل بشر ، ولم يرسل الله رسولا إلا وكان بشرا من خلقه أوحى إليهم بدين صحيح موافق لعصره نعم ما أرسل الله من قبلك إلا رجالا أوحى إليهم بالآيات البينات وأنزل معهم الكتاب.
وأما أنت يا رسول الله فقد أنزل الله إليك الذكر والقرآن لتبين للناس ما أنزل إليهم ، فأنت أدرى الناس به ، وأحرص الناس عليه وعلى اتباع الناس له ، فأنزله إليك لتبينه للناس ولعلهم يتفكرون ويهتدون.
أعمى هؤلاء الكفار فأمنوا جزاء مكرهم وعملهم السيئات!! أفأمنوا أن يخسف