المعنى :
هذا لون آخر من ألوان صنعه الباهر ، ومظهر من مظاهر قدرته وألوهيته في الإنسان ، وما يتصل به بعد بيان ذلك في المطر والنبات والحيوان.
والله خلقكم يا بنى آدم ، ولم تكونوا شيئا ثم يتوفاكم عند انقضاء آجالكم ، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر وأردئه (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (١). (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) (٢) فمن يكبر في السن حتى يبلغ أرذل العمر يفقد قوة إحساسه وشعوره العام ، بل ويصبح كالطفل من ناحية إدراكه ورغبته في تحقيق ما تصبو إليه نفسه ، ولقد صدق الله حيث علل بلوغه أرذل العمر بقوله : (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) من العلم لا كثيرا ولا قليلا بعد علم كان قد حصل له ، أما تحديد أرذل العمر فذلك موكول إلى ظروف الإنسان ، وإن كان الغالب أن يكون بعد الخامسة والستين.
وهذا حكم غالبى ففي الحديث ما معناه : «خير الناس من طال عمره وحسن عمله ، وشر الناس من طال عمره وساء عمله».
والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ، ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سخريا ، ولم يترك الله الغنى يعبث بماله حيث شاء ، بل جعل للفقير في ماله حقا معلوما ، وللدولة ممثلة في الحاكم المسلم حق آخر تبعا لظروف الدولة العامة.
ومع هذا فما الذين فضلهم الله بسعة الرزق على غيرهم برادي رزقهم ـ الذي أعطاه الله لهم بلا سبب ـ فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم من عبيدهم وإمائهم فالمالكون والمملوكون في الرزق سواء عند الله إذ هم أنفقوا من مال جعلهم الله خلفاء عليه.
ومعنى الآية بالتوضيح أن الله فضل بعضا على بعض في الرزق ، وأوجب على الغنى أن يعطى الفقير ، وعلى المالك أن يعطى المملوك ، ومع هذا فلم يعط غنى فقيرا ولم يرد مالك على مملوك رزقا حتى يتساوى معه ، وإنما يردون عليهم شيئا يسيرا ، وندرا قليلا في بعض الأحيان.
وهذا مثل ضربه الله للناس بمعنى : إذا كنتم لم ترضوا أن يكون خدمكم معكم
__________________
(١) سورة التين الآيتان ٤ و ٥.
(٢) سورة الروم الآية ٥٤.