ويقال له : اقرأ يا هذا كتابك ، وكفى بنفسك في هذا اليوم عليك حسيبا وشهيدا أى : محاسبا وشاهدا.
وإذا كان الأمر كذلك فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه فقط لأن ثواب عمله له ، ومن ضل في عمله فإنما يضل على نفسه فقط ، فكل شخص محاسب عن نفسه مجزى بطاعته ، معاقب على معصيته ، ثم أكد هذا بقوله ، ولا تزر وازرة وزر أخرى أى : ولا تحمل نفس حاملة للوزر وزر نفس أخرى حتى تخلصها من وزرها ، وتأخذ به الأولى ، وقد كانوا يقولون ، نحن لا نعذب في شيء وإن كان هناك عقاب فهو على آبائنا ، إذ نحن مقلدوهم فقط ، فرد الله عليهم أبلغ رد وآكده.
وما كنا معذبين أحدا من الناس حتى نبعث رسولا يهديهم ، ويدعوهم إلى الخير ، ويحذرهم من الشر ، وهذه الآيات تحثنا على العمل وتدفعنا إلى الجد وعدم الكسل ، وإذا أردنا أن نهلك قرية من القرى ـ وقد دنا وقت إهلاك أهلها ولم يبق من زمان إمهالها إلا قليل أمرنا مترفيها بالطاعات ففسقوا عن أمر ربهم ، وخرجوا من طاعته.
والأمر للجميع مترفا كان أو غير مترف ، وغنيا كان أو فقيرا ، ولكن لما كان الأمراء والأغنياء هم القادة وغيرهم تبع ، والعامة شأنها التقليد دائما ، قيل :
أمرنا المترفين الأغنياء حتى كأن الفقراء غير مأمورين.
(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) [سورة إبراهيم آية ٢١].
وقيل إن المعنى : أمرنا مترفيها أى : جعلناهم كثرة يعيثون في الأرض فسادا. وللزمخشري في كشافه رأى في قوله : أمرنا مترفيها خلاصته : أن هذا الأمر مجازى لا حقيقى ، ووجهه أنه صب عليهم النعمة صبّا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بالفسق لتسبب النعمة في ذلك ، والنعمة أعطيت للشكر لا الكفر. فلما كفروا وفسقوا حقت عليهم كلمة العذاب فدمرهم تدميرا وفي قراءة أمرنا مترفيها أى : جعلنا أغنياءها حكامها وقادتها ، وفي الأمم الضعيفة الجاهلة يكون هؤلاء الأمراء الأغنياء مصدر الشقاء والهلاك للأمة كلها.
وكثيرا ما أهلكنا أمما من بعد نوح لما بغوا وعصوا ، والله ـ جل جلاله ـ يحصى