المعنى :
من كانت الدنيا أكبر همه ، واتجه بنفسه إلى العاجلة الفانية ، وأرادها بكل جوارحه ، وخصها بكل أعماله ، من كان هكذا عجل الله فيها ما يشاء ويريد ، عجل لمن يريده منهم لا لكل من أحبها ، فترى أن القرآن الكريم قيد التعجيل بأمرين : أولا : يعجل الله بما يشاؤه هو لا بما يحبه العبد ، والثاني : يعجل الله لمن يشاء لا لكل من أراد الدنيا.
ألست ترى كثيرا ممن يحبون الدنيا ويريدون العاجلة ـ وهم القوم الماديون الذين يحبون المال حبّا جمّا ويأكلون التراث أكلا لما ـ يتمنون ما يتمنون ، ولا يعطون إلا بعضا من أمانيهم ، وترى كثيرا منهم يتمنون ذلك البعض. ولا يعطون شيئا أبدا فقد جمعوا بين فقر الدنيا وفقر الآخرة.
هؤلاء الماديون المحبون للدنيا بكل جوارحهم تراهم في الدنيا كما وصف القرآن وفي الآخرة لهم جهنم يصلونها مذمومين من الله والملائكة والناس أجمعين ، ومطرودين من رحمة الله.
أما الصنف الثاني ، وهو من لم يجعل الدنيا أكبر همه بل كان قصده المهم الآخرة ، أرادها ، وسعى لها سعيها المناسب لما لها من فضل وثواب ، والحال أنه مؤمن بالله واثق فيه مصدق به وبكتبه ويومه الآخر فأولئك البعيدون في درجات الكمال والجلال كان سعيهم مشكورا.
يا أخى انظر إلى هؤلاء الذين يريدون بعملهم الآخرة ، ولا يبالون بشيء بعدها فإن أوتوا حظا من الدنيا شكروا ربهم ، وإن منعوا منه رضوا وصبروا معتقدين أن ما هم فيه خير وأبقى.
غنى النفس ما استغنت غنى |
|
وفقر النفس ما عمرت شقاء |
انظر إلى السعى المشكور والعمل المأجور ، وقد تقدمه ثلاث إن تحققت فاز صاحبها وشكره ربه.
(أ) قصد الآخرة والاتجاه إليه في كل عمل حتى يكون رائده ثواب الآخرة لا متاع الدنيا.