أجزاؤه في جوانب العالم ، واختلطت عناصر الجسم بغيرها ، وهب أن إنسانا ابتلعه حوت في البحر وتحول جسمه إلى غذاء له مثلا فكيف يعقل بعد ذلك كله اجتماع أجزاء الجسم ثم عودة الحياة إليها؟!!
وقالوا : أإذا كنا عظاما نخرة ورفاتا مفتتة نبعث؟! ونكون خلقا جديدا له حس وحركة وفيه حياة وإدراك؟!! إن هذا لشيء عجيب! فيرد الله عليهم إن إعادة الحياة إلى الجسم أمر ممكن ، بل هو أهون على الله من خلقه أول مرة ـ وهو أهون بالنسبة إلى إدراكنا وحكمنا وإلا فخلق الجبال والناس جميعا عند الله كخلق ذرة واحدة ـ ولو فرضتم أيها المشركون أن بدن الميت قد صار أبعد شيء عن الحياة بأن صار حجرا أو حديدا أو خلقا آخر مما يكبر في صدوركم وعقولكم كالسماء والأرض فالله قادر على إحيائه وبعثه من جديد.
فسيقولون : من يعيدنا؟ قل لهم : الذي فطركم وخلقكم أول مرة قادر على إعادتكم وإحيائكم للبعث والجزاء فسينغضون إليك رءوسهم ، ويحركونها تعجبا ، ويقولون : متى هذا؟ وفي أى وقت يكون؟ قل لهم : عسى أن يكون قريبا فكل آت قريب ، (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) [سورة المعارج الآيتان ٦ و ٧].
اذكروا يوم يدعوكم فتستجيبون حامدين طائعين منقادين ، وتظنون عند البعث أنكم ما لبثتم إلا زمنا قليلا لهول ما ترون.
وقل لعبادي المؤمنين يقولوا المقالة التي هي أحسن من غيرها عند محاورة المشركين (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) لأن الشدة في الخطاب تنفر الناس وتجعلهم يعاندون ويستكبرون خصوصا هؤلاء الذين في قلوبهم مرض ، ومعهم الشياطين التي لا تألوا جهدا في إيقاع الفساد والشر فيما بينكم وبين غيركم إن الشيطان ينزغ بينهم ويفسد ، إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ظاهر العداوة بينها.
ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم ويوفقكم إلى الخير والإسلام أو إن يشأ يعذبكم ولا يهديكم إلى الهدى والنور ، وما أرسلناك يا محمد عليهم وكيلا تحاسب على أعمالهم إن أنت إلا نذير وبشير فقط ، وربك أعلم بمن في السموات ومن في الأرض جميعا علم إحاطة وانكشاف (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)؟ [الملك ١٤].