وترى يا محمد أو كل واحد يصلح للخطاب الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم وليس المراد الإخبار بوقوع الرؤية تحقيقا بل الإخبار بكون الكهف في مكان بحيث لو رأيته ترى الشمس إذا طلعت تتزاور وتنتحى مائلة عن كهفهم جهة اليمين ، وإذا غربت تراها عند الغروب تقرضهم وتبتعد عنهم متجهة جهة الشمال ، وهم في فجوة ومتسع من الكهف معرض لإصابته من الشمس ، لو لا أن صرفتها عنهم القدرة ، ذلك من آيات الله العجيبة الدالة على كمال العلم والقدرة.
ومن يهديه الله إلى الخير فهو المهتدى حقا الموافق إلى الصالح في الدنيا والآخرة ، كأمثال الفتية أصحاب الكهف ، ومن يضلل ويسلك سبل الشر فلن تجد له وليا مرشدا يهديه إلى الخير وطرق الصلاح في الدنيا والآخرة كأمثال الكفرة المنكرين للبعث .. وهؤلاء الفتية كنت تراهم في الكهف فتحسبهم أيقاظا لم يبل منهم جسد ، ولم تظهر لهم رائحة كريهة كأنهم أحياء نائمون في القيلولة ، ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ، وكلبهم الذي كان معهم باسط ذراعيه بموضع الباب من الكهف ، لو اطلعت عليهم وهم بهذا الوضع لوليت منهم وهربت من منظرهم هروبا ولملئت منهم رعبا وفزعا. وكما أنمناهم وحفظنا أجسادهم من البلى ـ وكان ذلك آية على قدرتنا ـ بعثناهم من نومهم ليسأل بعضهم بعضا فترتب عليه ظهور الحكم الجليلة التي من أجلها أنامهم الله هذه المدة ، ولهذا جعل التساؤل علة للبعث.
قال قائل منهم : كم لبثتم في نومكم؟ قال بعضهم. لبثنا يوما أو بعض يوم ، قيل إنهم دخلوا الكهف من الصباح واستيقظوا في آخر النهار ولذا قالوا : يوما فلما رأوا الشمس لم تغب قالوا : أو بعض يوم. وقال بعض منهم لما رأوا حالتهم العامة متغيرة : ربكم أعلم بما مكثتم! ولكن امضوا إلى المهم فابعثوا أحدكم بقطعة من الفضة إلى المدينة ليحضر طعاما لنا ، وإذا كان كذلك فلينظر أى أهلها أزكى طعاما وأحسن سعرا فليأتنا بشيء نقتات به ، وليتلطف في الطلب حتى لا يغبن ، ولا يشعرن بكم أحد من المدينة فإنهم إن اطلعوا عليكم يقتلوكم شر قتلة بالرجم أو يعيدوكم في ملتهم وطريقهم الجائر ، ولن تفلحوا إذا دخلتم معهم أبدا.
وكما أنمناهم في الغار ، وبعثناهم أعثرنا وأطلعنا الناس عليهم ليعلموا أن وعد الله حق ، وسمى الإعلام إعثارا لأن من كان غافلا عن الشيء فعثر به نظر إليه وعرفه فكان الإعثار سببا في العلم ، وفي الإعثار ما يفيد.