عليهم ، وليس لهم ساتر يسترهم منها جبال أو بيوت أو شجر وهذا يتصور في البلاد الصحراوية. ولعلهم كانوا على نصيب كبير من الجهل والفوضى.
أمر ذي القرنين كذلك كما وصفناه لك ، وهو تعظيم له ولشأنه ، وقد أحطنا بما لديه من الجند وأسباب الظفر والملك خبرا وهذا يفيد كثرة ما لديه.
ثم بدا له أن يتجه إلى الشمال فأتبع سببا لذلك حتى وصل إلى بلاد بين جبلين يقال إنهما بين أرمينيا وأذربيجان ، وقيل غير ذلك .. ويسكن تلك البلاد أقواما لا تكاد تعرف لغتهم إلا بصعوبة ، وقد جاوروا يأجوج ومأجوج قبائل من سكان سهول سيبريا الشمالية وهم قوم مفسدون في الأرض على جانب من الفوضى والبدائية.
أما أصحاب السد فحينما رأوا ذا القرنين ، وما هو عليه من جاه وسلطان ، وما معه من جند وعتاد قالوا له : يا ذا القرنين ، إن يأجوج ومأجوج قوم مفسدون في الأرض ويسعون فيها بالفساد ، قوم كالوحوش أو أشد؟ فهل نجعل لك جعلا على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا حتى لا يصلوا إلينا بحال.
ولكن ذا القرنين رجل مطبوع على حب الخير ومفطور على الصالح من الأعمال ومع هذا قد مكنه الله في الأرض ، وأعطاه الكثير من المال والثروة فقد أجابهم إلى سؤالهم ، ورد عطاءهم قائلا : (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) ثم طلب إليهم أن يعينوه بالرجال والعمال.
فحشدوا له الحديد والنحاس والخشب والوقود حتى وضعوه مكان السد ثم أوقدوا النار فيها وأفرغ على ذلك كله ذائب النحاس مرة بعد مرة حتى استوى بين الجبلين سد منيع.
فما استطاع يأجوج ومأجوج وقبيلهما أن يعلوه ويظهروا عليه لارتفاعه وملاسته وما استطاعوا له نقبا لقوته وسمكه ، وأراح الله منهم شعوبا كانت تتألم منهم كثيرا.
أما ذو القرنين فما إن رأى السد منيعا حصينا حتى هتف قائلا (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).
ويمكننا أن نقول إن أقصى المشرق وأقصى المغرب وأقصى الشمال هذا بالنسبة للمعمورة في ذلك الوقت السحيق لا بالنسبة للمعروف في ذلك الوقت ، وليس لنا