وقد أراد بلاد المغرب فأتبع سببا يوصله إليها حتى بلغها ، وكذلك بلاد المشرق ، وبلاد الشمال التي فيها السد.
حتى إذا بلغ مغرب الشمس أى : نهاية الأرض من جهة الغرب وجد الشمس تغرب في عين حمئة ذات ماء وطين أسود ، ولعل ذا القرنين لما بلغ ساحل البحر من جهة المغرب وجد الشمس كذلك في نظره.
وإنى لأذكر لك رأى الإمام الرازي في كتابه الفخر «إنه ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها ، ولا شك أن الشمس في الفلك ، وأيضا قال : ووجد عندها قوما ، ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير ممكن ، وأيضا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض؟ إذا ثبت هذا فنقول : تأويل قوله ـ تعالى ـ : (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) من وجوه ، الأول : لما بلغ موضعها في المغرب ، ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين مظلمة وإن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحريرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر. هذا هو التأويل الذي ذكره أبو على الجبائي في تفسيره انتهى كلام الفخر ص ٥١١ ج ٥ ثم ذكر تأويلات أخرى غير معقولة وغير مقبولة تمسك القلم عنها وأظن الرأى الذي ذكرناه عن الفخر يتفق مع نظريات العلم الحديث في كثير.
ووجد عندها قوما هاله كفرهم ، وكبر عليه بغيهم وظلمهم قد عاثوا في الأرض الفساد ، وسفكوا الدماء ، وأطاعوا أنفسهم وشياطينهم فاستخار الله في أمرهم فخيره ربه بين أمرين (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) إما أن تختار القتل والإبادة لهم جزاء كفرهم وطغيانهم ، وإما أن تمهلهم وتدعوهم بالحسنى فاختار ذو القرنين الإمهال والدعوة وقال : (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً* وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) والمعنى : أنه أقام فيهم مدة ضرب فيها على يد الظالم ، ونصر المظلوم ، واقام العدل ، ودعا إلى الله.
وبدا له أن يتجه إلى المشرق فسار غازيا مجاهدا منصورا وأتبع لذلك سببا حتى بلغ مطلع الشمس ، وأقصى العمران من جهة المشرق ، وهناك وجد أقواما تطلع الشمس