شديدين حتى قال بعض الكفار له ، ما أنزل عليك القرآن إلا لتشقى ، وقال له النضر ابن الحارث وأبو جهل بن هشام ، إنك يا محمد شقي لأنك تركت دين آبائك وأجدادك ، وقد كان يقوم بالليل حتى تتورم قدماه فقيل له ، يا طه ما أنزل عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم ، وتحسرك على أن يؤمنوا (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) أو لتتعب بكثرة العبادة. ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر ، ولم يكتب عليك أن تحملهم على الإيمان فالقرآن ما نزل إلا تذكرة وموعظة لمن يخشى ومن هنا تعرف السر في فساد بعض القلوب ، وأنها لا تتذكر بالقرآن ، السر هو أن عنصر الخشية مفقود عندهم ، الخشية من الله ومن حسابه ، والخوف من الضمير ومن تأنيبه ؛ والمجتمع الإنساني ولومه ، فالقرآن تذكرة وشفاء وهدى ونور لمن يخشى الله من الناس ، ومن له قلب فيه شيء من الخوف.
أما النفوس الميتة ، والقلوب التي هي كالحجارة أو أشد قسوة فأصحابها صم بكم لا يعقلون!!
هذا هو القرآن الكريم. أما صاحبه والذي أنزله فهذا خبره.
ونزلناه تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى ، فهو المقتدر الحكيم الخبير والعليم البصير ..
هو الرحمن المنعم بجلائل النعم ودقائقها ، على العرش استوى والله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس بجسم ولا يشبه شيئا من الحوادث فاستواؤه على العرش نؤمن به على أنه بلا كيف ولا انحصار ، وهذا رأى السلف وهو قبول ما جاء في تلك من الكتاب والسنة كقوله تعالى (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [سورة الفتح آية ١٠] من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل.
أما الخلف فقالوا هذا كلام ليس على حقيقته بل هو مؤول ، المراد بالاستواء الاستيلاء والقهر والتصرف الكامل ، والعرش هو الملك ، لله ما في السموات والأرض وما بينها وما تحت الثرى مما لا تراه العيون ، له كل ذلك مما نعلم ، ومما نعلم ملكا وخلقا وتصريفا ـ سبحانه وتعالى ـ ، وهو عالم الغيب والشهادة المحيط بكل شيء الذي يستوي عنده الجهر بالقول والإسرار به ، بل هو يعلم السر ما هو أخفى منه مما لم تحدث نفسك به ، (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) التي تدل على كمال التقديس وتمام التنزيه.