بنى إسرائيل من عذاب المصريين ، فأوحى إليه بأن أسر بعبادي ليلا حتى لا يراك فرعون وجنده ، فذهبوا حتى وصلوا شاطئ البحر الأحمر الغربي من جهة (السويس) فأمره الله بأن اضرب بعصاك البحر! فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، وأصبح لهم عدة طرق بقدر أسباطهم الاثنى عشر ، وسار الطريق وسط الماء يابسا لا طين فيه ولا ماء.
فاجعل لهم طريقا في البحر يابسا غير خائفين إدراك فرعون لهم ، ولا أنت تخشى لحوقه لكم.
أما فرعون فلما علم بخروجهم من مصر وكانوا يسكنون في إقليم الشرقية ، أرسل في المدائن يجمع الجند للحاق بهم وإدراكهم قائلا : إن هؤلاء لشرذمة قليلون ، وإنهم لنا لغائظون ، فلحقهم فرعون ومعه جنده وهم يعبرون البحر ، وقد جعل الله لهم طرقا فيه.
فلما أبصر فرعون تلك الطرق سار فيها ظنا منه أنها طرق عامة له أن يسير فيها ، فلما احتواه البحر ونجا موسى ومعه بنو إسرائيل غشيهم من اليم ما غشيهم ، وأصابهم من الهول والخوف والغرق ما أصابهم فكان كالغطاء لهم ، حتى إذا أدركه الغرق قال : آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ، ولكن هيهات له ذلك ، وقد أضل فرعون قومه وما هداهم إلى خير أبدا بل كان هو الداعية للشر كله ، وما كان مخلصا في إيمانه هذا ، فلما نجا بنو إسرائيل ، وغرق فرعون وجنده على مرأى منهم ، وكان ذلك من النعم عليهم أخذ يعدد نعمه فقال : يا بنى إسرائيل : قد أنجيناكم من عدوكم ، وواعدناكم جانب الطور الأيمن ، بمعنى : وأمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه لنكلمه وأنتم حضور فتسمعوا الكلام فالمواعدة كانت بين موسى وربه ، وإنما خوطبوا بها لأنها كانت من أجلهم ، والأيمن صفة للجانب والمراد يمين الشخص لا يمين الجبل ، وأنزلنا عليكم المن والسلوى ، وهو طعام شهى من صنع الله لا تعب فيه ولا ألم. وقلنا لكم كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تتجاوزوا الحد بالإسراف أو التقتير أو عدم القيام بالشكر ، وإياكم والمعصية فإنها أصل الطغيان.
إنكم إن طغيتم يحل عليكم غضبى ، وينزل بكم عذابي ، ومن يحلل به عذابي ، ويوجب عليه لعلمه السوء فقد هوى في الهاوية وهي قعر جهنم. واعلموا أنى غفار