من الضر وتقابل السراء. (مَكْراً) التدبير الخفى الذي يفضى بالممكور به إلى ما لا يحتسبه ولا يتوقعه ، وهو حسن وسيئ. (يُسَيِّرُكُمْ) السير الانتقال من مكان إلى آخر ، والتسير جعل الشيء ينتقل بنفسه أو بدابة أو مركب. (عاصِفٌ) المراد : ريح شديدة قوية تعصف بالأشياء وتكسرها (يَبْغُونَ) أصل البغي طلب ما زاد على القصد والاعتدال إلى الإفراط المفضى إلى الفساد والظلم.
المعنى :
هذه الآيات الكريمة تكشف لنا عن غرائز الإنسان وطبائعه التي لا تتغير تبعا للزمان والمكان ، وهي تشير إلى الرد على الكفار الذين يطلبون الآيات الكونية حيث إنهم لا يعتبرون ولا يتعظون.
وإذا أذقنا الناس رحمة وفضلا من عندنا من بعد ضراء ، ألم بهم ألمها وبؤسها إذ الشعور بالنعمة عقب زوال البؤس والشدة أكمل وأتم.
ما كان منهم إلا أن أسرعوا بالمفاجأة بالمكر في مقام الحمد والشكر ، وهكذا الإنسان ، إذا أصابه المطر بعد الجدب والشدة قال : مطرنا لأنا في فصل الأمطار. وإذا نجا من مكروه حاق به قال : نجوت بالمصادفة ، ولقد فعل فرعون وقومه ذلك كما فعل مشركو مكة بعد قحط وجدب أصابهم ثم سألوا النبي الدعاء لإزالته فكشفه الله عنهم وما زادهم ذلك إلا كفرا وجحودا ومكرا وفسادا ، كما ثبت ذلك في حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الشيخان.
ألست معى في أن مكرهم في آيات الله بالطعن فيها ، والاحتيال في دفعها وعدم الاعتداد بها ، قل لهم يا محمد : الله أسرع مكرا ، وأعجل عقوبة على مكركم ، وعذابه أسرع وصولا إليكم مما تفعلونه لدفع الحق ، وإطفاء نور الله ، ولا غرابة في ذلك إن رسلنا والحفظة من الملائكة يكتبون ما تفعلونه مكرا وتدبيرا ، وفي هذا إشارة إلى تمام الحفظ والعناية حتى لا يغادر الكتاب صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
وقد ضرب الله مثلا لهؤلاء المعاندين هو أبلغ أمثال القرآن.