الصحيح الذي يوصل إلى العبادة الخالصة لخالقهما ، وكانت من نعم الله على خلقه (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [سورة الدخان آية ٣٩] فانظروا لها واعتبروا بها.
لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا ، ومن جهة قدرتنا ، ولكنا لم نرد إلا الحكمة والصواب فيما خلقنا وفعلنا ، وما كنا فاعلين اللهو واللعب أبدا.
وبعضهم يفسر اللعب بالولد ، واتخاذه من لدن الله أى : من الملائكة ، وذلك ردا على من اتخذ المسيح أو عزيرا ابنا لله ـ سبحانه وتعالى ـ.
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ، وبل هنا إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب ، وتنزيه منه لذاته كأنه قال : سبحاني! لا أتخذ اللهو واللعب من عاداتي ، بل من صفاتنا وموجب حكمتنا ، وتنزهنا عن القبيح أن نغلب الجد على اللهو واللعب ، وندحض الباطل بالحق ، استعار القذف والدمغ لضياع الباطل وفنائه ، لتصويره بالصورة الحسية المؤثرة ، وبيان أثر الحق في محو الباطل ومحقه ، فجعل الحق كأنه جرم صلب كالصخرة يقذف به في وجه الباطل ، وهو رخو لين ، فدمغه وشج رأسه ، حتى لم يعد له بقاء في الوجود.
إنه لتصوير رائع مؤثر يهز النفوس ، ويستولى على المشاعر ، ويجعلنا نتصور الباطل كسير الجناح ، ذليل النفس ، مشوه الوجه (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ).
ولكم أيها الظالمون المشركون الويل والثبور والهلاك والدمار ، مما تصفون به ربكم من اتخاذ الولد والشريك ـ سبحانه وتعالى ـ ، وكيف يكون ذلك؟ وله من في السموات والأرض ، ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا ، فكيف يكون له فيهما شريك؟
ومن خلقه فيهما مجادل ومخاصم؟! ومن عنده من الملائكة لا يستكبرون عن عبادته ، والعندية عندية مكانة وتشريف فكيف بكم تستكبرون عن عبادته؟
والملائكة همهم العبادة ليلا ونهارا ، لا يستكبرون ولا يعيون ، ولا يتعبون ، خلقوا هكذا ، ليس فيهم داعية من دواعي الشر ، وهم لا يفترون ...