لما حكى الله ـ سبحانه ـ عنهم تلك الاعتراضات الواهية ، ورد عليهم أبلغ رد وأكده مبينا أنه أنزل لهم كتابا فيه ذكرهم وشرفهم وسعادتهم ، وهو المعجزة الباقية. بالغ في زجرهم وتهديدهم بضرب الأمثال وذكر مظاهر القدرة القادرة.
المعنى :
وكثيرا من القرى قصمناها وأهلكنا أهلها ، لأنها كانت ظالمة لنفسها بالكفر وارتكاب الإثم ، وأنشأنا بعدها قوما آخرين.
روى أن المراد أهل قرية مخصوصة كانت باليمن تسمى (حضور) ، وكان لهم نبي فقتلوه فانتقم الله منهم ، ولما رأوا أمارة العذاب خرجوا هاربين ، فقالت لهم الملائكة استهزاء بهم : لا تركضوا وارجعوا فرجعوا وقتلوا. فلما رأوا القتل قالوا يا ويلنا : إنا كنا ظالمين ، ولكن هيهات أن ينفع الندم ..!!
فلما أحسوا بأسنا ، ورأوا عذابنا الشديد إذا هم يهربون ويفرون مسرعين يركضون دوابهم ويستحثونها ، عندئذ. قيل لهم من الملائكة : لا تركضوا ، وارجعوا إلى نعمكم التي أبطرتكم وحملتكم على الظلم والكفر والغرور لعلكم تسألون ، من الذي أنزل بكم هذا؟! أو تسألون لما ذا كان هذا العذاب؟!
لما قالت لهم الملائكة : لا تركضوا ، وارجعوا إلى مساكنكم ونعمكم ، ونزل بهم العذاب من كل جانب كانوا يسمعون مناديا يقول : يا لثارات الأنبياء!!
قالوا حينذاك : يا ولينا ويا هلاكنا. إنا كنا ظالمين! فما زالت تلك دعواهم ، وما زالوا يرددون تلك المقالة حتى جعلهم ربك كالزرع المحصود بالمنجل ، خامدين ميتين لا حركة بهم ، كالنار إذا انطفأ لهيبها وأصبحت خامدة لا حياة فيها.
هذا هو الحكم العدل ، والقول الفصل ، ما يفعل الله بهم هذا إلا بسبب ظلمهم وكفرهم ، وها هي ذي آيات عدل الله ، ناطقة شاهدة.
وما خلق السماء المرفوعة ، والأرض الموضوعة ، وما بينهما من عجائب الخلق للهو واللعب كما يفعل بعض الخلق في دنياه ، ولكنها آيات شاهدة على حكمة الحكيم ، وقدرة القادر العليم ، وعدل الحق ـ سبحانه وتعالى ـ ، وكانت ميادين للتفكير السليم ، والنظر