ما تقدم من أول السورة إلى هنا كان في باب النبوات ، وما يتصل بها من نقاش وأما هذه الآيات فهي في بيان التوحيد ، ونفى الشريك.
ويقول الزمخشري ـ رحمهالله ـ وأسكنه فسيح جناته جزاء ما قدمه لخدمة القرآن وبيان أسراره ـ فيما كتبه في الكشاف عن «أم» التي في هذه الآية : وهذه أم المنقطعة التي هي بمعنى بل (الإضرابية) والهمزة. قد آذنت بالإضراب عما قبلها والإنكار لما بعدها ..
المعنى :
بل اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون؟!! والمنكر هو اتخاذهم آلهة من الأرض تحيى الموتى للبعث والحساب ، نعم إن من أفظع المنكرات أن يحيى الجماد الموتى ، عجبا هم ينكرون البعث والحساب ويقولون : أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد؟ من يحيى العظام وهي رميم؟!!
ثم بعد ذلك يتخذون آلهة من الأرض هم ينشرون!! نعم في اتخاذهم هذه الأصناف آلهة إلزام لهم بأن ينسبوا لها إحياء الموتى ، فإنه لا يقدر على إعادة الحياة إلا الإله الذي بدأ الحياة ، وفي هذا من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل لهم ما لا يخفى فإن ما استبعدوه على الله من البعث لا يصح لأنه لازم للألوهية ؛ وانظر إلى قوله ـ تعالى ـ : (آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ)!! فإنهم من الأرض! ولا تعبد إلا فيها ...
لو كان في السماء والأرض آلهة شتى تدبر أمرها غير الواحد الأحد الفرد الصمد الذي فطر السموات والأرض لفسدتا إذ من المعلوم أن أى عمل يفسد بتدبير رئيسين كل يدعى لنفسه حق الرياسة والتوجيه لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف ، ولله در عبد الملك بن مروان إذ قال حين قتل عمرو بن سعيد : كان والله أعز على من دم ناظري ، ولكن لا يجتمع فحلان في شول ، ولعلماء التوحيد في بيان الفساد عند وجود الشريكين أدلة منطقية وفروض شتى ليس هذا مكانها ، وإن حسن الاطلاع عليها.
ولما أقام الله ـ سبحانه وتعالى ـ الأدلة القاطعة على التوحيد قال : فسبحان الله رب العرش عما يصفون : نزه الله نفسه ، وأمرنا أن ننزهه عما يصفه المشركون.