أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤))
المفردات :
(مَثَلُ) المثل : الصفة العجيبة التي تشبه في غرابتها المثل (زُخْرُفَها) الزخرف : كمال حسن الشيء ومنه قيل للذهب زخرف (لَمْ تَغْنَ) يقال غنى بالمكان أقام به وعمره.
المعنى :
تقدم ذكر البغي وجزائه في الدنيا والآخرة ، وكان من أسبابه حب الدنيا والاغترار بها ، فناسب ذكر الدنيا وضرب الأمثال لها ليعتبر العاقل ، ويتعظ المؤمن.
إنما مثل الحياة الدنيا في سرعة انقضائها ، وزوال نعيمها ، وأنها تعطى لتأخذ ، وتحلى لتمر ، وتمنح لتسلب ، إنما مثلها وحالها كحال نبات الأرض الذي ينمو ويزدهر ويتشابك بعضه مع بعض بسبب ماء السماء الذي لا فضل لأحد فيه ، هذا النبات المزدهر مما يأكل الناس من قمح وشعير وذرة وغيره ، ومما يأكل الأنعام من كلأ وحشائش ، وما زال النبات ينمو ويزدهر حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ، واستوفت زينتها من سندس أخضر ، وزهر أحمر وأصفر ، وأغصان شامخة ، وثمار يانعة ، وما أروع التركيب حيث شبه الدنيا بعروس بالغت في تزينها بالثياب والزينة حتى كمل لها ما أرادت. وهكذا الدنيا قبيل قيام الساعة.
وظن أهلها أنهم قادرون عليها متمكنون منها ، أغنياء بثمرها وغلتها حتى إذا حصل هذا كله أتاها أمرنا وقضاؤها ليلا أو نهارا. عشية أو ضحاها فجعلناها كالأرض المحصودة التي قطعت واستؤصل زرعها ، كأن لم تكن بالأمس ، والمعنى : هلكت فجأة فلم يبق من زرعها شيء.