المعنى :
ولقد آتينا إبراهيم رشده ، ووفقناه لوجوه الصلاح والخير ، وآتيناه الحكمة من قبل ذلك ، وكنا به عالمين ، وهذا يفيد أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ خلق ونفسه مطبوعة على التوحيد ، وحب الخير والنظر السليم للأمور ، لهذا لم يعجبه ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تحس ولا تشعر!!
واذكر إذا قال إبراهيم لأبيه وقومه : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ، وعلى عبادتها مقيمون؟!! وهذا استفهام المراد منه التجاهل والتحقير لشأنها مع علمه بأنهم يعظمونها ويجلونها ، وهو يفيد إنكار عبادتهم لها.
وانظر إلى الجهل المطبق ، والعمى عن طرق الخير والسداد ، وانظر إليهم وهم يجيبونه على سؤاله حيث قالوا : إنا وجدنا آباءنا لها عابدين!!.
ما أقبح الجهل! وما أتعس الجهلاء!! ليس في أصنامهم وأوثانهم من خير أبدا ، وليس فيها فضل أبدا ، وليس معها مقتض للعبادة والتقديس إلا أن آباءهم لها عابدون؟
وأنهم على آثارهم مقتدون : يا للعار! ويا للشنار!! وما أعظم كيد الشيطان حين استدرجهم إلى تقليد آبائهم في عبادة التماثيل ، وهم معتقدون أنهم على شيء ، ويجادلون بالباطل أهل الحق! ألا لعنة الله على الضالين المقلدين.
وأما إبراهيم فقال لهم : لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ، وفي العبارة من التأكيد ما لا يخفى حيث قال : «أنتم» وقال «في ضلال» ... نعم أنتم وآباؤكم منخرطون في سلك ، ومجتمعون في شمل واحد حيث عبدتم حجرا أو خشبة ، وسندكم في عبادته هوى متبع وشيطان مطاع.
أما هم فحينما صدموا بهذا الرد الشديد ، والحجة التي قرعت أسماعهم ، وملأت نفوسهم ألما وحزنا قالوا متعجبين : أجئتنا بالخير والحق الصريح أم أنت من اللاعبين الهازلين؟! وهكذا المغرور المخدوع حينما يجابه بالحقائق الناصعة يستبعد أن ما عليه هو وأبوه ضلال وخطأ ، فيتعجب لذلك.
قال إبراهيم : ربكم الذي يستحق العبادة والتقديس وتعفير الوجه له بالتراب ، رب السموات والأرض الذي فطرهن ، وخلقهن على مثال عجيب ووضع دقيق وأنا على