أنهم ظلموا في كل ما لحقهم من الكفار ، وإن الله على نصر المؤمنين لقدير ، ينصرهم بغير حرب ولا تعب ، ولكن يريد الله من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته ، وليمحص الله الذين آمنوا ، ولو يشاء الله لانتصر منهم ، ولكن ليبلو بعضكم ببعض.
ثم وصف هؤلاء المؤمنون بقوله : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) ؛ أى مكة بغير حق يقتضى الإخراج. لكن لقولهم : ربنا الله ، (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سورة البروج آية ٨].
أيها الناس : لا تعجبوا من إذن الله لأوليائه بالقتال ، ووعدهم بالنصر على أعدائهم وحثهم على القتال ، فلو لا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال أعداء الله وأعدائهم قديما وحديثا لاستولى أهل الشرك عليهم ، ولضاعت مواضع العبادة في الأرض ، وهدمت صوامع الرهبان ، وبيع النصارى وكنائسهم ، وصلوات اليهود وكنائسهم ، وكذلك مساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله ذكرا كثيرا.
ووالله لينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوى قادر. عزيز لا يغالب ؛ ومن ينصره الله هو من ينصر دينه ويتبع أمره ونهيه ، ويطيع رسوله وكتابه ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أقسم لينصرنه ، ومن أصدق من الله حديثا : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) ، أفبعد صريح القرآن نطلب من الله النصر والدفاع. وما نصرنا دينه إلا بالانتساب إليه بالاسم فقط. أما القرآن ، وحكمه ، أما روح الدين والخوف من الله ، فشيء في الكتب فقط ، ويردد على اللسان فحسب ، ولقد صدق الله : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سورة سبأ آية ١٣].
من ينصره الله هم الذين إن مكناهم في الأرض وأعطيناهم السلطان على الناس ، أتوا بأربعة أمور عليها ينبنى الملك ، وبها تؤسس الدولة الصالحة وهي :
(أ) إقامة الصلاة كاملة تامة في أوقاتها وبشروطها ، إذ هي الواجب العملي الأول على كل مسلم ، وهي الصلة بين العبد وربه ، وهي مطهرة للنفس ، وتقوية للروح ، وتجديد لمعنى الإسلام ، ودواء لكل داء (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [سورة العنكبوت آية ٤٥] وإقامة الصلاة لامتثال العبد أمر الله كله.
(ب) إيتاء الزكاة. والحوادث التي مرت بالعالم في العصر الحديث ، وما نتج من