ثم أمر الله رسوله أن يقابلهم بالوعيد الشديد فقال : قل أفأنبئكم بشر من ذلكم؟ أى : بشر من غيظكم الذي ملأ قلوبكم ، وكأن سائلا سأل وقال : ما شر من ذلكم؟ فقيل : هو النار!! وعدها الله الذين كفروا ، وبئس المصير مصيرهم.
ولما بين الله أنهم يعبدون من دون الله مالا حجة لهم فيه أتبع ذلك بيان أن آلهتهم أضعف من الضعف فلا يستحقون العبادة بحال.
ومن عادة القرآن الكريم أن يعبر عن الصفات أو القصة الرائعة الغريبة بالمثل لأنها تشبهه في الغرابة والتأثير على السامع والذيوع بين الناس.
يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ، وتدبروا فيه ، وحكموا عقولكم في مغزاه إن الذين تدعونهم من دون الله ، وتخصونهم بالقربى والدعاء لن يخلقوا ذبابا أبدا ، بل محال منهم ذلك ؛ وإنما اختير الذباب لحقارته ، وضعفه وقذارته. وكثرته ، والحال أنهم مجتمعون متكاتفون متحدون.
وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ، ولا يمكنهم أن يستخلصوه منه ، يا لهذا العجز المشين ، ويا له من تصوير فني رائع ، وضع الآلهة في موضع مهين ذليل ضعيف جدا للغاية حتى ولو كانوا مجتمعين!!
ضعف الطالب من المشركين ، والمطلوب من الأصنام ، وما أضعفهم! :
وكانوا يزعمون أنهم يعرفون الله حقا ، ويتخذون الآلهة قربى إلى الله ، فرد الله عليهم بأنهم ما قدروا الله حق قدره ، حيث جعلوا هؤلاء الأحجار ، والخشب المسندة في صفوف الآلهة ، وما أجهلهم حيث وضعوا الخالق الخبير البصير القاهر القادر في صف من يعجز عن دفع ضرر الذباب فكيف يتخذون العاجز المغلوب شبيها له.
وهذا الآتي رد على دعواهم أن الرسول لا يكون بشرا ببيان أن الرسل نوعان : رسل من الملائكة إلى الأنبياء كجبريل مثلا ، ورسل من البشر إلى الناس كالأنبياء والله وحده هو الذي يختار ويصطفى ، وهو السميع لكل قول البصير بكل نفس ، العليم الذي يعلم السر وأخفى ويعلم أحوال البشر ما مضى منها ، وما هو آت فاختياره على أساس سليم ونظر بعيد ، اعلموا أنه إليه المرجع والمآب ، وإليه وحده ترجع الأمور.