فكان موسى وهارون مؤيدين بالآيات وسلطان مبين وهو أشرف المعجزات وأقواها. وقيل : المراد به العصا إذ تعلقت بها معجزات شتى كانقلابها حية ، وابتلاعها ما صنعته السحرة وغير ذلك :
وقد حكى الله عن فرعون وملئه أخص صفاتهم وشبههم الواهية التي دعتهم إلى عدم الإيمان ، وفي هذا كله عبرة وعظة لأولى الألباب.
أما صفاتهم فهم قوم استكبروا وأنفوا من اتباع موسى ، وكانوا قوما عالين ، أى : على جانب من الحضارة والعز والسلطان والعلم والعرفان ، والواقع التاريخى يؤيد ذلك كله.
أما شبههم : فقالوا : كيف نؤمن لبشرين مثلنا؟! والرسالة تتنافى مع البشرية ، وهكذا شأن القوم الماديين الذين لا يؤمنون بالقوى المعنوية ، ويظهر أن هذا كان مرضا شائعا في الأمم السابقة ، ولا يزال. الشبهة الثانية : كيف نؤمن بموسى وهارون ونسلم لهما بالزعامة والقيادة ، وهم من بنى إسرائيل الذين يقومون بالخدمة لنا وهم من رعايانا النازلين في بلادنا ، إن هذا لمكر وحيلة ليخلص موسى وهارون بنى إسرائيل قومهما من حكمنا ، ولا يمكن أن يكونا رسولين من عند الله ، وترتب على ذلك أنهم كانوا من المهلكين الذين غرقوا في اليم ، ونجا موسى ومن معه من بنى إسرائيل المؤمنين (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) [سورة يونس آية ٩].
ولقد آتينا موسى التوراة فيها هدى ونور ، وفيها الحكم والدستور لبنى إسرائيل بعد أن أغرق آل فرعون ، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [القصص ٤٣].
ويقول ابن كثير في تفسيره : لم تهلك أمة هلاكا عاما بعد نزول التوراة ، بل أمر المؤمنون بقتال الكفار.
وتلك قصة مريم وابنها عيسى بإيجاز كما هو النظام العام في ذكر القصص التي في هذه السورة.
وجعلنا عيسى ابن مريم عبد الله رسوله وأمه مريم البتول ابنة عمران التي أحصنت