فيهم التي لا تتغير : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [سورة العنكبوت آية ٤٠].
هؤلاء المشركون منهم من يؤمن بالقرآن باطنا ، وإنما يكذبه في الظاهر ، بل من زعمائهم من كان يقول فيه : إن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق وما هو بقول البشر. فهؤلاء عرفوا الحقيقة ولكنهم كذبوا عنادا واستكبارا ، ومنهم من لا يؤمن به جهلا وتقليدا من غير نظر ولا معرفة ، وربك أعلم بالمفسدين في الأرض بالشرك والظلم والعصيان والبغي فسيعذبهم في الدنيا والآخرة ، وفي هذا تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم ويؤكدها قوله تعالى : وإن كذبوك ، وأصروا على ذلك ، فقل لهم : لي عملي وهو تبليغ الرسالة والإنذار والتبشير وسيجازينى عليه ربي ، ولكم عملكم ، الذي تعملونه وسيجازيكم عليه ربكم : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (١) ، أنتم بريئون مما أعمل ، وأنا برىء مما تعملون ، ولن يؤاخذ الله أحدا بذنب غيره ، وصدق الله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) [سورة هود آية ٣٥].
وأما أنت يا محمد فلا تعجب من حال هؤلاء ، ولا تحزن إن عليك إلا البلاغ وأنت تقوم بعملك خير قيام ، ولكن منهم من يستمعون إليك بأسماعهم دون تدبر ولا فهم إذ قلوبهم في أكنة مما تدعو إليه. (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ. لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (٢) والسماع النافع للمستمع هو ما عقل بما يسمعه ، وعمل بمقتضاه وإلا كان كالأصم الذي لا يسمع ، وأنت أيها الرسول لم تؤت القدرة على إسماع الصم حقيقة أو مجازا وهم الذين لا يعقلون.
ومنهم من ينظر إليك بوجهه ، ويوجه بصره إليك عند قراءتك القرآن ، ولكنه لا يبصر نور القرآن وهدى الدين ، وعمى البصيرة (والعياذ بالله) أشد وأنكى من عمى البصر : (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ). والمعنى : أنك لا تقدر على هداية هؤلاء ، فمن فقد حاسة السمع لا يسمع ومن فقد حاسة البصر لا ينظر ، كذلك من فقد الاستعداد للفهم والهداية لا يمكن أن يهتدى ولا يهديه غيره ولو كان نبيا مرسلا.
__________________
(١) سورة يونس آية ٥٢.
(٢) سورة الأنبياء الآيتان ٢ و ٣.