وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، وهذا إيلام لنفسيهما بعد إيلام جسميهما وهو معنى التشهير والفضيحة فجعل ضربهما أمام جماعة من الناس ليكون الخزي والعار أبلغ وأكمل ، وفي هذا شهادة عامة من الناس جميعا بأن هؤلاء قد تجردوا من الإنسانية ومعانيها السامية ، فلا حق لهما في إعادة الاعتبار ، ودعوى الافتخار.
وانظر إلى التنفير من تلك الفعلة الشنيعة بقوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
وهذه الآية من المشكلات في القرآن التي تحتاج إلى تؤدة وتأن حتى يمكن فهمها وفي أسباب نزولها روايات. المعقول منها روايتان :
الأولى : أن كثيرا من المهاجرين في المدينة قد أجهدهم الفقر ، وأضرّ بهم الاحتياج حيث تركوا أموالهم وديارهم في سبيل الله ، وقد رأوا في المدينة البغايا المعلنات عن أنفسهن ، وقد كثر عندهن المال والخير فحدثتهم أنفسهم لو تزوجوا من هؤلاء فيكن عونا لهم على الإقامة بالمدينة ـ فاستأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك على عادتهم في كل صغيرة وكبيرة فنزلت الآية ليمتنعوا عن ذلك فامتنعوا.
وروى جماعة كأبى داود والترمذي والبيهقي أن صحابيا يقال له مرثد ، ذهب إلى مكة مستخفيا ليحمل أسيرا فرأته امرأة اسمها عناق ـ وكانت بغيا وكان له بها صلة قبل إسلامه ـ وطلبت منه أن يبيت عندها وتسهل له مأموريته فقال لها مرثد : يا عناق إن الله حرم هذا فصاحت المرأة به وأخبرت قريشا بوجوده ، ولكنه بلباقته تمكن من الحصول على طلبته ونقل الأسير إلى المدينة ثم يروى مرثد عن نفسه قائلا : فأتيت الرسول صلىاللهعليهوسلم فقلت يا رسول الله : أأنكح عناق؟ فأمسك ولم يرد على شيئا حتى نزلت هذه الآية فقال النبي : «يا مرثد! الزّاني لا ينكح إلّا زانية أو مشركة والزّانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين» فلا تنكحها.
واعلم يا أخى أن هناك حقائق شرعية سلّم بها من الجميع. وهي أن المسلم ولو كان زانيا لا ينكح مشركة ، وكذا المسلمة ، وأن المسلم الزاني يحل له نكاح العفيفة ، والزانية يحل لها نكاح العفيف.
وعلى هذا الأساس فالمعنى الظاهر من الآية ـ وهو أن الزاني لا يحل له أن ينكح إلا امرأة زانية أو مشركة ، وأن الزانية لا يحل لها إلا نكاح الزاني أو المشرك ـ مخالف