ولعن في الآخرة حيث استحق العذاب الشديد ؛ وعظم العذاب بقدر عظيم الجرائم ، ومن يقذف بالفاحشة بريئا فقد أقض مضاجع ، ونال من كرامات وثلم من شرف ، وآذى من أبرياء ، فهو يستحق هذا العذاب ، وإن الله لا يظلم الناس شيئا ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. نعم هم يستحقون ذلك العذاب يوم تشهد عليهم ألسنتهم.
ولعل هؤلاء الناس يوم القيامة يحاولون الإنكار والتنصل فيمنعهم الله من الإنكار ، ثم ينطق ألسنتهم ، وأيديهم ، وأرجلهم بما اقترفوا قطعا لعذرهم. وتنكيلا بهم. كل ذلك بسبب ما كانوا يعملون ، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ، ويعطيهم جزاءهم كاملا عادلا لا يزيد على جريرتهم ولا ينقص.
ويومئذ يرون أن كل ما وعد به الرسل ، وما وصفوا به من عذاب العصاة وثواب الطائعين كله حق ولا شك فيه ولا مرية (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) وهل هذه الآية عامة في كل محصنة غافلة مؤمنة؟ وإن كان سبب النزول قصة عائشة ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. أم هو خاص بعائشة ـ رضي الله عنها ـ نظرا إلى شدة الوعيد وعدم ذكر التوبة ، وقيل إن الآية خاصة بكفار قريش إذ كانوا يرمون المؤمنات المهاجرات بأنهن هاجرن للفجور.
والظاهر والله أعلم أنها عامة في محصنة غافلة مؤمنة ، والسيدة عائشة وأمهات المؤمنين داخلات فيها دخولا أوليّا ، وعظم الجزاء لعظم الجرم ، وعدم ذكر التوبة لا يمنع من قبولها فبابها مفتوح حتى للكفار.
كيف ترمون بيت النبوة بهذا الإفك؟!! أو ما علمتم أن الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، وهذا حكم غالبى فالخبيث يكون للخبيثة ، ولا يصح أن يتخلف هذا الحكم في أشرف بيت ومع أكرم خلق الله على الله.
والطيبات من النساء كالسيدة عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين للطيبين من الرجال فالله يختار لكل فئة ما يناسبها ويليق بها ، فلا يمكن أن يختار أخبث الخبيثات لأطيب الطيبين ، وهذا قريب مما سبق في قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) وعند بعضهم أن المراد الخبيثات والطيبات من الكلام