المعنى :
يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان ، اعلموا أنه يدعوكم إلى الفضيلة والآداب ، ويرشدكم إلى أنكم لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ، أى ليس لكم فيها حق السكنى والمنفعة «وإن كانت ملكا لكم ، لا تدخلوا حتى تستأنسوا وتستأذنوا ، ولا شك أن الإذن يذهب الوحشة ، ولذا سمى الإذن أنسا ، بدليل قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ).
والاستئذان يكون بقرع الباب ، أو النداء لمن في البيت ، أو التسبيح والتحميد أو صريح الاستئذان وغير ذلك.
ومنع الدخول قبل الاستئذان عام في الرجال والنساء ، مع المحارم وغير المحارم إذ كل إنسان له حالات لا يحب أن يطلع عليها أحد ، ولو كان والدا أو ولدا ، ولقد قال رجل للنبي صلىاللهعليهوسلم : أأستأذن يا رسول الله على أمى؟ قال النبي «نعم» قال : ليس لها خادم غيرى أأستأذن عليها؟ قال «أتحبّ أن تراها عريانة؟» قال : لا. قال : «فاستأذن عليها».
حتى تستأنسوا ، وتسلموا على أهلها أى : على من فيها ، وظاهر الآية أن الاستئذان يحصل ثم السلام ، وبعضهم يرى العكس ، والبعض يرى أنه إذا رأى أحدا في الدار سلم أولا ثم استأذن : فإن لم ير استأذن أولا.
ذلكم خير لكم وأفضل ، فإنه أغض للبصر ، وأحفظ للسر ، وأدعى إلى احترام البيوت والحرمات ، ولا تظنوا أن في الاستئذان مذلة ، بل هو خير لكم وأزكى ، لعلكم تذكرون ذلك فتعملوا بمقتضاه.
ولا مانع من جعل حجرات الموظفين كالبيوت يحسن الاستئذان عند دخولها فلربما كان الموظف في شغل شاغل ، أو عنده شخص في مصلحة لا يحب أن يطلع عليها أحد ، وهذا بلا شك أحفظ للوقت ، وأدعى إلى العمل والجد.
فإن لم تجدوا فيها أحدا من ساكنيها فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ، وهذا تعبير دقيق يشير إلى معنى أدق ، فربما كان في البيت صاحبه ، ولم يرد عليك ولم يأذن لك فيصدق على المستأذن أنه لم يجد أحدا في البيت.