وهو يلتصق بالأرض (بِقِيعَةٍ) القيعة مفردها قاع وهو ما انبسط من الأرض واتسع ولم يكن فيه نبت ، وفيه السراب ، وأصل القاع الموضع المنخفض الذي يستقر فيه الماء (الظَّمْآنُ) العطشان (لُجِّيٍ) هو الذي لا يدرك قعره ، واللجة معظم الماء واللجة أصوات الناس.
وهذا مثل للكفار بعد مثل المؤمنين.
المعنى :
والذين كفروا بالله ورسوله أعمالهم التي يعملونها وفي ظاهرها خير إذا كانوا يوم القيامة وجدها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، فهذه أعمالهم التي يعملونها من بر أو صدقة أو غيرها لا خير فيها ولا جزاء عليها يوم القيامة فهو أشبه ما تكون بالسراب مع العطشان لا يفيده شيئا ، نرى هؤلاء يوم القيامة ، قد خاب أملهم وطاش ظنهم وضاع مرتقبهم كالعطاش في الصحراء إذا اشتد بهم العطش ظنوا الماء في السراب حتى إذا ذهبوا إليه لم يجدوا شيئا وهم في أشد الحاجة إلى الماء.
وأما ما عمله من سيئ الأعمال ، فإنه يراه وقد عظم جرمه ، وتراكم ذنبه من جهة كفره وسوء عمله ، وبطلان قصده ، وضلال نفسه وكأنه قد قذف به في بحر لجي تلاطمت أمواجه ، وتراكمت غيومه ، واشتد ظلام ليله ، فإذا حاول أن يرى يده لم يرها ، لأنه فقد نور ربه ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
وإن هذه الآيات البينات لتوحى لنا أن شرع الله ونظامه هو نور السموات والأرض نور الدنيا ونور في الآخرة والمتبعون ذلك النور هم المنتفعون به الناجون يوم القيامة.
وأما غير ذلك النور ، وأما التشريع المخالف لذلك التشريع فهو كالسراب مع الظمآن في الصحراء يحسب فيه الخير فإذا ذهب إليه وعمل به لم يجد شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه ، والله سريع الحساب.
فهل من مدكر؟!! ولا عجب ، فإنما يتذكر أولو الألباب ...