قل لهم : أخبرونى إن أتاكم العذاب المعد للعصاة والمجرمين وأنتم بالليل نائمون أو في النهار لاهون أو مشتغلون ، ولا يخلو الحال من واحد منهما ، إن أتاكم العذاب ماذا تستعجلون؟ أعذاب الدنيا أم عذاب الآخرة ، إن كان هذا أو ذاك فهو حماقة وجهالة ، لأنه استعجال لأمر محقق الوقوع.
أيستعجل بالعذاب المجرمون منكم ، ثم إذا وقع آمنتم به يوم لا ينفع نفسا إيمانها ما لم تكن آمنت من قبل ، إذ فرق بين الإيمان والتصديق الخالص لله ورسوله صلىاللهعليهوسلم وبين الإيمان للضرورة ولرؤية الخطر الداهم.
ويقال لكم حينئذ : توبيخا وتأنيبا الآن آمنتم به اضطرارا؟ وقد كنتم به تستعجلون تكذيبا واستنكارا وتعجيزا ، ثم قيل للذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعصيان ذوقوا عذاب الخلد ، والعذاب الدائم المستمر المعد لكم ولأمثالكم ، هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون؟!!
ويستنبئونك أيها الرسول ، ويطلبون منك الخبر الصحيح أحق هذا الذي تقوله وتعد به الكفار؟ أحق هو؟ كأنهم لم يكونوا على يقين من تكذيبهم (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) قل لهم أيها الرسول : نعم إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ. ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) وما أنتم بمعجزين ، ولا أنتم بهاربين وكيف تعجزون خالق السماء والأرض ، وكيف تهربون؟ ولأيّ جهة تتجهون؟!!
هذا العذاب الذي تستعجلونه في الدنيا ، والذي أعد لكم في الآخرة ، عذاب الله أعلم به وقد وصفه الله فقال : (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) بالاعتداء على نفسها أو على غيرها ، ولو أن لها كل (ما فِي الْأَرْضِ) ثم رأت العذاب المعد لها (لَافْتَدَتْ بِهِ) نفسها ، ولكن أنى لها ذلك؟
وهم حين يرون العذاب يسرون الندامة لاعتقادهم أنه لا فائدة في إظهار الندم والحسرة على ما فرط ، وتارة يجهرون ويقولون : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) وقضى بينهم بالقسط ، وهم لا يظلمون.
والله ـ سبحانه ـ قادر على ذلك ، ووعد به ، ووعده الحق وكلامه الصدق ، وهو القادر على كل شيء ، وإليه المرجع والمآب ولذا اختم الآية بقوله : ما معناه (أَلا إِنَّ لِلَّهِ