المعنى :
أراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ وهو أرحم الراحمين بنا ألا يتركنا نتخبط في شيء حتى في الأمور العامة التي هي من المباحات وليست من العقائد والعبادات ، أراد الحق ـ جل شأنه ـ أن يرسم لنا الطريق ، ويؤدبنا بأدب الإسلام العالي في الأكل والشرب مع غيرنا.
وقد كان بعض الناس يأنف من الأكل مع الأعمى والأعرج والمريض مثلا حرصا على نفسه ، أو حبّا في أن يتمتع صاحب العلة كل حسب ما يريد ، فجاء القرآن ونفى الحرج والإثم عن ذلك وقال ما معناه : ليس على الأعمى والأعرج والمريض حرج وليس عليهم إثم في أن يأكلوا مع الأصحاء ، وأن يجتمعوا معهن على مائدة واحدة ، إذ الأمر أوسع مما تظنون أيها المتزمتون فالله يربينا على أن مسائل الأكل والشرب من توافه الأمور وبسائطها التي يجب ألا يعنى بها المسلم إلى هذه الدرجات لأننا نأكل لنعيش ولنقيم أودنا ، ولسنا في الدنيا نعيش لنأكل كالبهائم والكفار.
والخلاصة : ليس على هؤلاء حرج في أن يأكلوا مع غيرهم من الأصحاء ، وكذلك لا حرج على من يؤاكلهم على مائدة واحدة ، وليس عليهم حرج أن يأكلوا من بيوت غيرهم حيث أباحوا لهم ذلك في غيبتهم.
وقوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) إلى آخر الآية إنما هو توسعة على الناس ، وبيان لما تقتضيه أواصر الصلات والمحبة بين الأفراد ، والآية أباحت لنا أن نأكل من أحد عشر موضعا بلا إذن حيث نعلم أنه لا يتألم ، ولا تشح نفسه لذلك بل يسر فإن عرفت أن قريبك يتألم من أكلك طعامه في غيبته فإياك أن تأكل منه وكن عفيفا ، والأحد عشر هم :
(١) الأكل من بيوتنا ، ولعله أراد بيوت أبنائنا ، فإن مقتضى الصلة الأكيدة التي بين الأب وابنه أن يجعل من بيوت الأبناء بيوتا للآباء.
(٢) أو بيوت آبائكم. |
(٣) أو بيوت أمهاتكم. |
(٤) أو بيوت إخوانكم. |
(٥) أو بيوت أخواتكم. |
(٦) أو بيوت أعمامكم. |
(٧) أو بيوت عماتكم. |