قد حصرت المؤمنين في من اجتمع فيه ثلاث خصال : الإيمان بالله ، والإيمان برسوله ، والتزام مجتمعه صلىاللهعليهوسلم إذا كان أمر مهم فلا يذهب شخص حتى يستأذنه.
وفي هذا بيان لما يجب أن يكون عليه المؤمنون مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهذا الحكم يجرى مع الجماعة ورئيسها العام أم الخاص.
فالذين يذهبون ولا يستأذنون أولئك هم المنافقون ، وليسوا من الإيمان في شيء وهذا ما يوافق سبب النزول ، فقد روى أن الآية نزلت في قوم منافقين كانوا ينصرفون عن النبي صلىاللهعليهوسلم أثناء الخطبة عند ما كانوا يحسون بالحرج والألم وقت أن يشرح النبي حال المنافقين.
إن الذين يستأذنونك ، أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله ، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ، واستغفر لهم الله ، وهذا يجعلنا نقول إن الاستئذان يكون للأمر المهم لا لكل أمر عارض ، إن الإذن موكول للرئيس إن شاء أذن وإن شاء لم يأذن والمفروض فيه أنه يعالج ما يعرض له حسب الحكمة ، ويحسن بنا ألا ننصرف ـ ولو بإذن لبعض الشئون الهامة ـ حيث كان الاجتماع لأمر مهم يتعلق بالجماعة ، وقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ) يفيد أن الإذن مهما كانت دواعية مما يقتضى الاستغفار.
يا أيها الناس لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لبعض فإن النبي حينما يدعوكم لأمر يتعلق بدينكم أو بدنياكم يجب أن تأخذوه على أنه أمر مهم واجتماع من المصلحة العامة ألا تحرموا منه ، ويجب أن تتقبلوه بصدر رحب ولا تظنوه كدعوة بعضكم لبعض في توافه الأمور ، ودعاء بعضكم لبعض المراد منه دعاء من ليس له ولاية عليكم ، فمتى ثبتت الولاية لشخص ثبت له الحكم ، واعلموا أن الله يعلم الذين يتسللون ويخرجون خفية متسترين ببعض بلا إذن ، وسيجازيهم على ذلك.
فليحذر الذين يخالفون خارجين عن أمره ـ سبحانه وتعالى ـ مهما كان ليحذروا أن تصيبهم فتنة في دينهم أو دنياهم أو يصيبهم عذاب أليم ، وهذا تهديد شديد نشفق منه على الأمة الإسلامية ولعل ما يصيبنا من فتنة راجع لمخالفتنا أوامر القرآن في كل شيء.
وهذه الأوامر والتكاليف التي في السورة كلها يجب عليكم أن تتنبهوا لها ، وتعملوا بها فإنها صادرة ممن يملك السماء وما فيها ، والأرض وما عليها ، ويعلم ما أنتم عليه من سر وجهر ، ويوم يرجع الناس إليه فينبئهم بما عملوا ويجازيهم عليه ، والله بكل شيء عليم.